اسرائيل ما كانت لتغامر باقتحام غزة

آراء 2021/05/25
...

 أنشال فوهرا
 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
 
في الساعة 12,30 بعد منتصف ليلة 14 أيار الحالي بثت القوات الاسرائيلية تغريدة تفيد بأن قواتها الجويّة والبريّة قد باشرت هجوماً على غزة، ذلك الشريط من الارض الذي يسكنه اكثر من مليوني فلسطيني في وضع اكتظاظ سكاني خانق. هذه التغريدة جعلت كثيرا من الصحفيين يسارعون الى نشر تقارير تتحدث عن انطلاق عملية غزو بري. بعد ساعات من ذلك أصدر الجيش الاسرائيلي ايضاحاً عاجلاً بأن شيئاً من سوء الفهم قد وقع وان القوات البرية لم تتحرك من مواقعها عند اطراف غزة.
تلك التغريدة لم تنجم عن التباس بيروقراطي بل كانت حيلة قصد منها دفع كوادر حماس الى التحرك بسرعة من مواقعهم كي يقتل اكبر عدد منهم خلال القصف، وقد حدثت اصابات وخسائر بالفعل عندما كان اولئك القادة يتوجهون الى مواقعهم الدفاعية لصد الهجوم البري المتوقع والاعداد لهجمات مضادة فأصيبت شبكة انفاقهم بالصواريخ وقتل عدد منهم.
يرتأي جنرالات اسرائيليون وضباط مخابرات سابقون وخبراء في الدفاع أن الجيش الاسرائيلي كانت أمامه ثلاثة خيارات في تلك المرحلة من المواجهة، فأما مواصلة الهجمات من خارج غزة والتركيز على تدمير اهداف ذات قيمة، او اعطاء الاوامر بتنفيذ عملية غزو محدودة النطاق، مثلما فعل في عامي 2009 و2014 لتدمير منشآت معينة تابعة لحماس، او التحرك لاجتياح غزة مثلما فعل في حرب 1967 والبقاء فيها لحين تشكيل سلطة قادرة على تولي زمام الامور.
الخيار الأخير قد يكون هو الأنسب عسكرياً ولكنه من الناحية السياسية لم يكن ممكناً. الجميع في اسرائيل متفقون على ان تجريد حماس من السلاح والحاق أقصى ضرر جدي بها لن يكون ممكناً إلا من خلال التواجد العسكري المباشر طويل الأمد على أرض غزة، ولكن الدافع في اسرائيل ضعيف ازاء التورط بغزو دموي واسع النطاق طويل الأمد لقطاع غزة.
يعتقد البروفسور «مايكل آرمسترونغ» من جامعة بروك في كندا، الذي اجرى ابحاثاً حول الاداء العملياتي للاسلحة التي تصنعها حماس، ان تجريد هذه الجماعة من سلاحها عن طريق القصف والعمليات عن بعد غير ممكن لأن حماس اثبتت قدرتها على إعادة بناء ما يتم تدميره من قدراتها العسكرية. لذا لن يمكن تجريدها من السلاح إلا بتواجد عسكري اسرائيلي مباشر، لكن مثل هذا الغزو سوف يسفر عن حمام دم وهذا ليس في صالح اسرائيل، لذا يعتقد الخبراء ان من الافضل ان تعمل اسرائيل على احتواء حماس بدلاً من الاصرار على محاولة تدميرها.
يقول العقيد المتقاعد «ييران ليرمان»، الذي كان يشغل منصب نائب مستشار الامن القومي الاسرائيلي، إن احتلال غزة لن يأتي في مصلحة اسرائيل عند أخذ جميع الجوانب بالاعتبار، لأن هذا سيقتضي تقطيع مساحة غزة الى اجزاء ثم تمشيط المناطق التي تسيطر عليها حماس بحثاً عن عناصرها العاملين في الخفاء ومخزونات صواريخها المخبأة، وهذه العملية ستكون دموية للغاية كما ان نجاحها سيتطلب استمرار التواجد العسكري لفترة غير محددة.
كان سيقتل جراء ذلك مقاتلون من حماس، ولكن مدنيين وجنوداً اسرائيليين سوف يقتلون ايضاً، ناهيك عن الاعداد الكبيرة من الاصابات التي ستقع والخوف الماثل من انطلاق انتفاضة مدمرة، لأن الناس في غزة يؤيدون حماس رغم علمهم بأن عملياتها يمكن ان يتبعها انتقام اسرائيلي يهدد سلامتهم. أضف الى ذلك ان اسرائيل ستكون مسؤولة حينها عن تصريف شؤون غزة وإعادة بنائها، وستبقى تعامل بعد ذلك كله على اعتبارها قوة احتلال من وجهة نظر الأهالي والمجتمع الدولي على السواء. العبء الاقتصادي سيكون ثقيلاً أيضاً وسيكون هناك قلق من ان يستغل المتطرفون حالة الفراغ. السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية لا تملك الوسائل الامنية المطلوبة لتوطيد الاوضاع في غزة، وإذا ما عملت في ظل الاحتلال الاسرائيلي فستكون تلك طعنة لمصداقيتها.
يعتقد ليرمان ان ضرب قدرات حماس أمر مهم بالنسبة لاسرائيل، ولكن إيران وحزب الله يبقيان التهديد الأكبر وعليهما ينبغي ان يكون التركيز.
ثمة رأي يقول إن حماس ترعى شؤون شريحة من المسلمين المعدمين في غزة وهؤلاء تستطيع اسرائيل فرض احتلالها عليهم ولكنها لن تستطيع ضمهم كمدنيين خشية تغيير الوضع الديموغرافي لصالح الفلسطينيين. 
يقول «شامؤيل بار»، وهو ضابط مخابرات اسرائيلي سابق، ان اولئك الذين ينادون بالغزو لتجريد حماس من السلاح قد يغيروا رأيهم إذا ما علموا ان آلاف الجنود الاسرائيليين سوف يقتلون ايضاً. يقول بار: "لا احد يريد غزواً برياً يترتب عليه ان تتكفل اسرائيل باحتياجات الناس والتعامل مع انتفاضة تتواصل يوماً بعد يوم. الوحيدون الذين يرفعون هذا النداء هم المنتمون الى اليمين الديني المتطرف الذين لا يعلمون ما الذي يعنيه هذا لأنهم لم يخدموا في الجيش مطلقاً". لذا يتفق بار مع ليرمان في أن أسلوب الردع الأفضل هو مواصلة صد حماس عن بعد واضعافها.
منذ خروج اسرائيل من غزة في 2005 قامت بسلسلة من عمليات الغزو المحدودة. ففي 2009 شن الجيش الاسرائيلي عملية «الرصاص المصبوب»، وهو هجوم بري استهدف وقف تهريب السلاح الى غزة، وفي 2014 عادت اسرائيل الى دخول غزة بهدف تدمير انفاق حماس الممتدة باتجاه اسرائيل. استمرت تلك العملية 50 يوماً وفقد فيها اكثر من 2000 فلسطيني وأكثر من 70 اسرائيلياً حياتهم. 
حتى لو قررت اسرائيل تنفيذ عملية اقتحام سريعة فسوف تُهدر أرواح وسيتساءل كثيرون إن كانت لذلك ضرورة بالفعل. يقول المحلل البريطاني «جوناثان سباير» ان المسار الأرجح الان هو مواصلة اسرائيل الضغط على غزة من الخارج مع الاستمرار في نسج حكايات الانتصار، لا يشك سباير طبعاً في أن الجيش الاسرائيلي كان يتمنى لو أنه حقق المزيد قبل القبول بوقف اطلاق النار، وحماس ايضاً بوسعها الان ان تشعر بالرضا الان إذ ارتفعت مكانة ومنزلة في أعين كثير من الفلسطينيين عقب تصديها لانتهاكات المسجد الاقصى، لذا بإمكان الطرفين في هذه المرحلة القول انهما قد خرجا بفوز وينهيا الصراع عند هذا الحد.
 
عن مجلة «فورن بولسي»