الناس صنفان

آراء 2021/05/25
...

  حسين الصدر
 
- 1 -
الناس على صنفين:
صنفٌ يبحث عن الضوء، ويجهد أنْ يُسلطَ عليه ..،
وبأيّ ثمن، وبأية وسيلة وصولاً الى بلوغ ما يريد ...!!
وصنفٌ يبحث عنهُ الضوءُ، ويجهد أنْ يكون عمله خالصاً لوجه الله بعيداً عن كل ألوان الرياء..
 
- 2 -
حدّثني أحدهم عن رجل من كبار أثرياء القرن المنصرم فقال: انه كان اذا دخل عليه الفقير وهو في ثلة من رفاقه وزملائه التجار عمد الى إخراج حزمة من الأوراق النقدية وبدأ بدفع ورقة نقدية تلو أخرى حتى يصرخ الفقير ويقول:
كفى كفى ...
وكان مرادُهُ أنْ ينطلق مَنْ شَهِدَهُ وهو يُغدق المال على الفقير ليحدّث عن نبله وكرمه وعلو أخلاقه، أما اذا دخل عليه الفقير ولم يكن معه أحد فلن يعطيه الّا قطعة معدنية فقط ..!!
ومِثْلُ هذا الباحث عن الضوء أعدادٌ لا تحصى من الرجال، بمن فيهم مَنْ تسنم المسؤولية الاولى في البلاد وإلّا فما معنى الاعلان عن افتتاح مستشفى كبير على يد هذا المسؤول التنفيذي الاول في حين أنَّ المستشفى المذكور لم يدخله مريض واحد حتى الآن؟
إن المرائي يُنادى يوم القيامة ويقال له:
يا فاجر 
يا غادر 
اذهب الى من أردتَ أن تأخذ الأجر منه وخذ أجرك منه..!!
 
- 3 -
وهناك رجالٌ أبرار يحرصون على أن لا يُذكر له اسمٌ حين يَصِلُونَ بِسِريّةٍ تامة الأسر المتعففة أو يسهمون بتبرعاتهم السخية في المشاريع النافعة...
إنّ مَثَلَ أحدهم مثل الجندي المجهول..
ومن القصص المفيدة في هذا الباب قصة الخّياط الذي أتهمه أهلُ محلته بالشح والبخل، بالرغم من امتلاكه السيولة النقدية الكافية وكثرة المحاويج الى المساعدة في محلته، وكان يلهجون بمدح (قصّاب) في المحلة، يوزع قطعاً من اللحم على الفقراء المساكين ويقولون:
أين هذا (القصاب) النبيل من ذلك (الخيّاط) البخيل؟
وحين مات الخياط انقطع القصّابُ عَنْ توزيع اللحوم على الفقراء وحين سئل عن السبب قال:
ان الخيّاط الراحل هو الذي كان يدفع إليّ ثمنَ تلك اللحوم ويُوصيني بتوزيعها بين الفقراء.
وهنا أدركَ الذامّون خَطَأَهُم وندموا على ما كانوا يبثونه عنه من قبيح الأوصاف...
 
- 4 -
وليس معنى ذلك المنع المطلق من الإقدام على المبادرات النافعة في العلن وعلى رؤوس الاشهاد..
فقد يكون ذلك في بعض الأحيان من باب التحريض والحث للاخرين على الاسهام والمشاركة في المشاريع النافعة، وحسب المرء ان يكون قدوةً صالحة، وأنْ يسن سنةً حسنة يكون له أجرها وأجر من عمل بها...
 
- 5 -
وحتى العبادات فإنّ منها ما يُقام علناً كصلاة الجماعة والتي هي بمثابة المؤتمر اليومي، وصلاة الجمعة والتي هي بمثابة المؤتمر الاسبوعي، والحج وهو بمثابة المؤتمر العالمي يشارك فيه المسلمون من شرق الارض وغربها ومن كل القوميات والجنسيات، وهناك الصوم الذي هو عبادة سرية.
وهناك صدقة السر التي هي من أفضل العبادات.