الانتفاضة المقدسيَّة أيقظت الحالمين وقلبت الموازين

آراء 2021/05/25
...

  د.قيس العزاوي 
 أيقظت الانتفاضة المقدسية النائمين الحالمين بإسرائيل الكبرى ليجدوا أمن دولتهم بات مهدداً ليس من ايران النووية او تركيا الأطلسية ولا من الدول العربية، وإنما من الفلسطينيين أنفسهم بعد أن جمعت القدس كلمتهم فهبوا من غزة ورام الله وبشكل خاص من فلسطينيي الداخل مسلميهم ومسيحييهم ليكتبوا صفحة جديدة من التاريخ. مثلما فعل المصريون في معجزة العبور، فجر الفلسطينيون أمن إسرائيل من الداخل!
 
ما حدث في الانتفاضة ليس جديداً، ففي كل الانتفاضات تحدى الفلسطينيون القوة الغاشمة والتواطؤ الغربي وبدمائهم سجلوا تاريخهم. ومع ذلك من يطلع على التقارير الدولية الحالية سيلاحظ حجم القلق الغربي على الوجود الإسرائيلي من جراء هذه الانتفاضة المباركة التي أبطلت القوة التكنولوجية الاسرائيلية، سيجد أننا أمام مرحلة جديدة جداً من الصراع قلبت فيها الموازين للأسباب التالية:
     أولاً: قلق المصير ورعب إنهيار قوة إسرائيل مما جعل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وهو موغل بحقده يصف الاضطرابات بأنها «مذبحة» من قبل «غوغاء عرب محرَّضين ومتعطشين للدماء». إن خلو ألفاظه من بعض الدبلوماسية دليل قلقه العميق.. أما «مفتش الشرطة الوطنية الإسرائيلية» يعقوب شبتاي فقد اعترف بأنه يشهد «وضعاً لم نشهده من قبل في المدن المختلطة»، واصفاً إياه بأنه أسوأ عنف طائفي منذ عقود.
   ثانياً: خسارة إسرائيل للمعركة: كتب أستاذ الجيوبولتك الفرنسي اليهودي دومنيك مواسي في افتتاحية صحيفة ويست فرانس بتاريخ (21 /5 /2021) ذاكراً: على عكس ما كانت تتوقعه، خسرت إسرائيل، وقد حصد قادتها ما كانوا يزرعون.. ان الاعتقاد بأن العالم الإسلامي والمسيحي سيقبلون فرض ديانة واحدة في القدس وتحطيم ديانتين اعتقاد ساذج لانه ليس خللاً أخلاقياً فحسب وانما هو خطر ستراتيجي.. إنها حسابات سياسية صغيرة قد تهدم بناء اباء إسرائيل.
   ثالثاً: اسقطت الصواريخ الفلسطينية اسطورة القبة الحديدية وحرمت إسرائيل من تفوقها التكنولوجي فلم تتمكن القبة من تفادي 80 بالمئة من الصواريخ التي سقطت في المدن والمطارات والاهداف الحيوية، فأحدثت الرعب في حياة الاسرائيليين. لقد فشلت مخططات تعميم القبة الحديدية التي سوق لها هنري تري الملقب بـ أوبيرنج الثالث المدير السابق لـ «وكالة الدفاع الصاروخي» التابعة للبنتاغون الذي أشاد بأنظمة الدفاع الصاروخي الاسرائيلي، وشجع الجيش الأميركي على شراء بطاريتين من منظومة «القبة الحديدية»، وأعلن بأن أميركا وإسرائيل يدرسان قيام مشروع دفاع صاروخي إقليمي ينطلق من «اتفاقيات إبراهيم»!!.
     رابعاً: اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بنتنياهو أبان الانتفاضة ست مرات قلقاً على أمن إسرائيل، فالعدو هذه المرة ليس خارجيا عربياً أو اسلامياً انه عدو داخلي يهدد بالفعل أمن إسرائيل ويشل قوتها التكنولوجية، مما جعل بعض المؤثرين على صناعة القرار من امثال مايكل آيزنشتات مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن يطالب بدعم إسرائيل لأن الأسس التي يقوم عليها التحالف الأميركي-الإسرائيلي هي القيم المشتركة والسياسات الديمقراطية والمصالح الستراتيجية المشتركة. 
   خامساً: يعترف نيري زيلبر الباحث في معهد واشنطن والمقيم في تل ابيب إن العرب الإسرائيليين (يقصد فلسطينيي الداخل) الذين يشكلون نحو 20 بالمئة من السكان، هم مواطنون إسرائيليون. لكن إسرائيل عاملتهم إلى حد كبير كمواطنين من الدرجة الثانية على مرّ السنين، إذ حرمتهم من موارد رئيسة ومنعت مجتمعاتهم من التمويل الكافي وهو ما جعلهم ينتفضون. وهذا الرأي على عكس ما يقوله دومنيك مواسي الذي يجد وصفهم بمواطنين إسرائيليين يعيشون برخاء ينبغي ان لا ينسينا بأنهم يشعرون بأجمعهم وبعمق بهويتهم الفلسطينية. 
   الجديد في هذه الانتفاضة المباركة هو قوتها الشجاعة وقدرتها على تهديد العدو، واستعدادها لمزيد من التضحيات لاجل الوطن، فالصواريخ الفلسطينية جعلت المستوطنين في اللد مثلا يهربون منها. لقد هزم السلاح الفلسطيني جبروت قوة الاحتلال الغاشم وعطل قدراته وشل امكانياته وارعب جنوده واربك قادته. وقد صدق المناضل تشي جيفارا حين قال «الحق الذي لا يستند الى قوة تحميه باطل في شرع السياسة».