بقايا «داعش» تحاول العودة إلى العراق

بانوراما 2019/02/15
...

سيمونا فولتاين
ترجمة: انيس الصفار  
إذ تدخل المعركة ضد “داعش” مراحلها النهائية في سوريا، حيث يتمركز الجنود الاميركيون استعدادا لاخراجهم، يحاول مقاتلو “داعش” عبور الحدود عائدين الى الاراضي العراقية.
يقول العقيد صالح اليعقوبي من حرس الحدود العراقي متحدثاً عن مسلحي “داعش”، المحاصرين حالياً داخل حفنة من القرى الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات المحاطة من كل جانب بنباتات القصب: “لقد بات حدثاً معتاداً أن نراهم كل يوم، وإذا كانوا مسلحين ضربناهم بكل شدّة”. على مدى اشهر كانت محاولات هؤلاء المعتدين لاجتياز الحدود تبقي حرس الحدود العراقي، الذين تجوب دورياتهم تلك المنطقة، على اقصى درجات الاستنفار، بيد ان الموقف ازداد غموضاً مؤخرا حين شرع الاميركيون بنقل معداتهم وتجهيزاتهم العسكرية الى خارج الجزء الشرقي من سوريا عقب اعلان ترامب عن نيته سحب القوات.
كان اليعقوبي يتحدث من قاعدته التي تقع الى الشمال من مدينة القائم، على بعد نحو 450 متراً عن اقرب موقع لمسلحي “داعش” داخل سوريا. من هناك تعمل هذه القوة، بدعم من الاميركيين والجيش العراقي، على تأمين هذا الجانب من الحدود بتنسيق وثيق مع جنود التحالف الاميركيين والفرنسيين المتمركزين غير بعيد عنهم، أما وحدات الحشد الشعبي فهي تسير دورياتها لمراقبة الحدود العراقية جنوبي القائم. وكان نحو 2000 عنصر من مسلحي “داعش” قد اقحموا انفسهم الى الغرب من الحاجز الحدودي العراقي بين القوات الكردية التي يدعمها الاميركيون من الشمال والجيش العربي السوري من الجنوب.
 
منفذ للعودة
تموضع هذه التشكيلات المسلحة على جانبي الحدود يبرز بلا شك سعة التحالف الذي يواجه “داعش” في العراق وسوريا، بيد انه يشير في الوقت نفسه الى العواقب الوخيمة التي يمكن ان تنجم اذا ما استغل الارهابيون عملية الانسحاب المنتظرة ونجحوا في العودة الى العراق.
بالنسبة لمدينة القائم، وهي آخر مركز مدني تم تحريره من قبضة “داعش” أواسط تشرين الثاني 2017، تتواجد قوات الامن العراقية، التي تتلقى تغطية جوية ومشورة استخبارية وستراتيجية أميركية، جنباً الى جنب مع قوات الحشد الشعبي رغم أجواء ضعف الثقة بتلك التغطية أحيانا. فخلال الشهر الماضي انهال سيل من التصريحات المتضاربة التي ادلى بها ترامب ومسؤولون اميركيون آخرون فأثاروا القلق بشأن التأثيرات التي سيخلفها الانسحاب الاميركي من سوريا قبل الاوان. فمن المتوقع ان يغادر الجنود الاميركيون سوريا خلال الاسابيع القليلة المقبلة، ولكن الموعد المقرر لانسحابهم لم يتضح بعد.
يقول اليعقوبي ان الانسحاب سوف يؤثر سلبياً على قواته بالتأكيد، ولكنها ستبقى مستعدة لحماية الحدود سواء تواجدت قوات التحالف في الاراضي السورية ام رحلت. ويراقب القائد العراقي ورجاله من حرس الحدود، الذين تلقوا تدريبهم وتجهيزهم على يد الاميركيين، تحركات “داعش” بالكاميرات على مدار الساعة ليلاً ونهاراً، وكلما رصدوا تحركات مشبوهة ابلغوا القوات الاميركية والفرنسية لتشن عليهم ضربات بالمدفعية عبر الحدود، ويعلق: “لا نسمح لداعش بتخطي الحدود، بل نتعامل معهم وهم داخل سوريا.”
ومن الطبيعي أن لا يقل الجنود الاميركيون الذين يعملون بتواصل مع اليعقوبي عنه تصميماً على منع الارهابيين من إيجاد ملاذات لهم في صحارى العراق.
قبل الاعلان عن قرار الانسحاب قال المقدم كينت بارك، الذي ترابط وحدته قرب القائم مع فرقة الفرسان الثالثة، إن: “داعش سوف تدمر وتهزم في مناطق وادي الفرات الاوسط وعندئذ ستكون بحاجة الى مكان تفر اليه. لذا، من الاهمية بمكان ان تبقي الحدود مؤمنة”.
احجم المتحدث باسم القوات الاميركية في بغداد عن التعليق على التأثيرات التي سيخلفها الانسحاب الاميركي من سوريا على العمليات قرب الحدود العراقية وأحال الأسئلة الى مكتب وزير الدفاع الأميركي الذي رفض بدوره الإجابة. لكن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قال في مؤتمر صحفي مؤخرا ان العراق لديه شعور بالقلق ازاء الانسحاب، وان حكومته تجري اتصالات بحلفائها في المنطقة، بضمنهم الحكومة السورية، لتخفيف اية تبعات سلبية قد تنجم عنه.
 
انسحاب مؤجل
وكان ترامب خلال زيارته القاعدة الجوية الاميركية قرب القائم قبل شهر ونصف تقريبا قد أكد أن القوات الاميركية سوف تبقى داخل العراق رغم تحقيق الحكومة العراقية النصر على “داعش” قبل اكثر من عام، وأن احد الاسباب لاستمرار تواجد قوات بلاده هو “مراقبة إيران”، على حد تعبيره.
اخبر ترامب المراسلين ايضاً ان الولايات المتحدة قد ترسل مزيداً من قوات “الكوماندو” للتمركز قرب القائم وتنفيذ عمليات خاصة عبر الحدود متى ما دعت الحاجة. وكان عدد من المسؤولين العراقيين قد اطلقوا تصريحات منذ ذلك الحين بأن الولايات المتحدة قد انشأت قواعد جديدة لها في العراق، مؤكدين رفضهم لها، لكن التحالف الذي تقوده أميركا نفى ذلك. حتى لو لم يرسل الاميركيون مزيداً من جنودهم الى منطقة الحدود، فإن مجرد تواجد قواتهم على مقربة من مقاتلي الحشد الشعبي داخل العراق يمكن ان يحيل القائم الى نقطة احتكاك وانطلاق شرر نظراً لأجواء التأزم في المنطقة. فالبلدة المذكورة تنتشر نقاط التفتيش للجيش العراقي على كل أطرافها، وهم القائمون على ادارة هذه النقاط، ويعمل الجيش بالتنسيق مع قوات اميركية، وكذلك قوات الحشد الشعبي المرابطة عند الحدود العراقية لصد هجمات داعش واستهداف تجمعاتها. وهاتان المؤسستان تتنافسان فيما بينهما للقضاء على الارهابيين وفرض السيطرة على الارض.
ووسط اجواء التنافس يجد المدنيون انفسهم في كثير من الاحيان عالقين، فيقول احمد الدليمي قائممقام قضاء القائم: “وجود هذه القوات له آثاره على السكان، وتتداخل مناطق السيطرة  العسكرية على المدينة وهذا يوقع التجار، الذين يحتاجون الى تراخيص امنية لإدخال البضائع، في تساؤل عن الجهة التي ينبغي اخذ التراخيص منها. رغم اندماج وحدات الحشد الشعبي مع قوات الامن العراقية من الناحية الرسمية فإنها من الناحية العملية ما زالت تعمل باستقلال عنها. فضلا عن ذلك، تعتبر قوات الحشد نفسها المصد الحصين بوجه النفوذ الاميركي، وتعبر عن شكوكها بنيات النشاطات العسكرية الأميركية في محيط المنطقة الحدودية، بل انها في بعض الاحيان تعيب على الفصائل التي يدعمها الاميركيون عدم تصديها لهم انطلاقا من رؤية الحشد للأميركان كقوات احتلال، وذلك لأن بعض وحدات الحشد المحلية التي تم تجنيدها من عشائر المنطقة الغربية تبدي تعاوناً مع القوات الاميركية، ولو انها ادنى قوة ونفوذاً من نظيراتها الرسمية.
ومع اقتراب العدو المشترك من حافة الاندحار اخذت الخلافات بين التحالف بقيادة أميركا ووحدات قوات الحشد الشعبي تتعمق، واتجه الحشد الى رفع اعداد عناصره على امتداد الحدود العراقية مع سوريا حيث تشارك بعض وحداته ايضاً بعمليات الرصد والتدمير للأهداف الداعشية الواقعة داخل الحدود السورية. ولأجل تجنب الاحتكاكات العسكرية صار هناك إتفاق بين قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة والقوات العراقية والحشد الشعبي بأن يتم تقسيم مناطق السيطرة فيما بينهما، لغرض توزيع مناطق العمليات ضد داعش.
 
نفي أميركي
اثناء جولة في المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحشد الشعبي، الى الجنوب من القائم، راح أحمد نصر الله، الذي يقود وحدة من وحدات الحشد تسمى “لواء الطفوف”، يصف الطبيعة العسكرية للمنطقة واحتمالات تسرب الارهابيين من بعض منافذها، كما عبر عن الشكوى ضد الاميركيين الذين يحاولون تقويض سلطة الحشد الشعبي عن طريق دعمهم لوحدات محلية، وبين أنهم يستخدمون امكانيات الاستكشاف والرصد للتجسس على وحدات الحشد، كما استهدفوا مواقع قوات الحشد، وأشار الى مجمع قريب تابع للحشد كان قد اصيب بضربة جوية خلال شهر حزيران الماضي، تفيد مصادر بأن اسرائيل هي المسؤولة عن تلك الضربة، وليس الولايات المتحدة. وقد هدد الحشد الشعبي بالثأر ولكن التحالف بقيادة الولايات المتحدة أنكر تورطه بتلك العملية نافياً فكرة استهداف الحشد الشعبي اصلاً. ويقول المقدم بارك من الجيش الاميركي: “هذا غير صحيح على الاطلاق، فنحن لم نستهدف وحدات الحشد الشعبي ابداً لأنها تعتبر جزءاً من قوات الامن العراقية وقواعد الاشتباك التي لدينا تمنعنا من فعل ذلك، عدا عن ان ذلك ليس من صالحنا.”
بعيداً عن طبيعة القوات المتصدية لداعش، تبقى القائم نقطة ستراتيجية على الممر السوري لعبور الارهابيين. حيث تسيطر قوات الحشد على اكثر من 200 كيلومتر من الجزء الجنوبي من القائم والمنطقة القريبة من الحدود العراقية السورية، فيما يقع الجزء الشمالي من منطقة القائم، التي يقيم فيها التحالف سياجاً حدودياً لمنع عمليات التغلغل والاختراق، لكن الجزء الجنوبي الذي يسيطر عليه الحشد الشعبي لا توجد فيه حواجز مادية. وهناك مخافر لوحدات الحشد على طول الحدود إضافة الى ابراج المراقبة التي اقامها حرس الحدود العراقيون.
يقول نصر الله وهو يشير الى المخافر ان: “هذا هو خط الدفاع الثاني بوجه داعش فيما إذا حاول الاقتراب من الحدود العراقية”، حيث لا تتواجه تلك القوات مع “داعش” فيما وراء الحدود، إذ تسيطر القوات السورية على المناطق الحدودية في الجانب الاخر. ويقول نصر الله: “التنسيق بيننا وبين القوات السورية جيد.” اثناء مرور رتل عبر مناطق حزب الله وردت الى نصر الله رسالة باللاسلكي بأن قناصاً قد استهدف مركبة للحشد الشعبي قرب القاعدة الاميركية.
 
طبيعة الارض القاسية
يقول نصر الله: “مثل هذه الهجمات لا تأتي إلا من الجانب الاميركي، وهم يفعلون ذلك لزعزعة الاستقرار في المنطقة تبريراً لاستمرار تواجدهم فيها.” وقد تحدث مصدران من داخل قوات الامن العراقية مع المراسل، كلاً على حدة، بأن الأميركيين يطلقون النار احياناً على قوات الحشد اذا ما اعتقدوا ان عناصر تلك القوات دخلت مناطق تعتبر محظورة عليهم، ولكن دبلوماسياً غربياً عبر عن اعتقاده بأن الامر المرجح هو ان تكون اسرائيل مسؤولة عن مثل تلك الحوادث، كما حدث في حالة مجمع “كتائب حزب الله” قبل عدة شهور.
ويتهم القائد نصر الله القوات الاميركية بتقديم المساعدة لـ”داعش”، وهو اعتقاد شائع بين صفوف الحشد الشعبي رغم افتقاره الى الدليل المادي، الامر الذي يكشف عمق العداء القائم بين الطرفين.
ولغرض تأكيد أن الحشد الشعبي هو المسؤول عن تلك المنطقة انتقل القائد الحشدي الى موقع اطلاق النار وأمر قواته بتفتيش المنطقة. وبعد ذلك بدقائق وصلت عناصر من الجيش العراقي لمعرفة التفاصيل، وتبادل الجانبان التحيات والحديث القصير قبل العودة. وهو جزء من التنسيق بين الطرفين في ضوء العمل لافشال هجمات “داعش”.
يقول بارك: “على ارض المعركة ينبغي ان تتوفر لدى اللاعبين المختلفين والقوات المرابطة، في اي وقت من الاوقات، القدرة على التواصل والتنسيق المستمر. هذا بالتأكيد يجعل الامور أسهل كثيراً ويمنع العدو من محاولة العمل ضد قوة معينة بالالتفاف من وراء قوة اخرى يفترض انها تقاتل في الجانب نفسه.”
رغم ان “داعش” لم تعد مسيطرة على اراض داخل العراق فإن خلاياها النائمة موجودة حول القائم وهي لا تزال تشن هجماتها على نمط حرب العصابات ضد مختلف قوات الامن الموجودة هناك. ومعظم هذه الهجمات، كما يقول التحالف الاميركي، تقع في الجانب الذي يسيطر عليه الحشد الشعبي. تلك المناطق تتخللها بطبيعتها قيعان الانهار والوديان كما إن أرضها مناسبة جداً لتكتيكات حرب العصابات، وهو عامل تفاقم من فعاليته قلة الدعم من قبل طيران التحالف ومدفعيته للقوات الموجودة في ميدان المنطقة العسكرية. لكن نصر الله ينفي وقوع هجمات على مناطق الحشد الشعبي او وجود حاجة للتعاون مع القوات الاميركية. ويجزم هذا القائد: “نحن لا نحتاج الى الاميركيين ولا الى دعمهم او اي شيء آخر منهم.”