العراقيون يستخرجون لؤلؤ بحر المعرفة

فلكلور 2021/05/27
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
لماذا نتغافل ولا نقول الحقيقة؟ مثلما كان حمورابي قد قدم للبشرية ثاني أقدم شريعة قانونية في العالم, سبقتها شريعة (أشنونا) البغدادية بستين عاماً, قدم العراقيون للعالم ملحمة الخلود الشعرية المسماة ملحمة جلجامش كأقدم ملحمة شعرية بحثت في معنى الوجود قبل أربعة آلاف عام.
وبعد أنْ جاب جلجامش أرض الأرز كان الحكواتي العراقي أيسوب - وربما هو أحيقار كما يقول سعيد الغانمي- يجوب أراضي اليونان والرومان ناقلاً لهم حكايات بابل الرافدينيَّة.
وإذا كان السومري العراقي القديم قد قدم حروف الكتابة هدية للعالم لنقل الكلام من المشافهة الى التدوين, ثم الى إعمال العقل في تدوين التاريخ والمعارف الإنسانيَّة، فهل هناك أشياء قدمت للعالم القديم حضارياً أكثر مما فعله العراقيون الذين استخرجوا لؤلؤ معارفهم من بحر المعرفة التي صنعتها عقولهم الذكيَّة وأهدتها لذلك العالم الذي كان؟
صحيحٌ اننا لم نصنع الطائرة ولا الغواصة ولا آلات الحوار المباشر بين منطقة بعيدة عن أخرى في العالم, لكن الجهشياري - أو سواه ممن كتبوا ملحمة ألف ليلة وليلة - قد بشر بكل هذه الاختراعات وجسدها في حكاياته.
اليوم يصنع العراقيون لغة عقل أخرى للعالم, يبحثون في الدين والحياة عبر كتابات الدكتور عبد الجبار الرفاعي, ويبحثون في تاريخ وأحداث الأرض الشرقيَّة عبر كتابات الدكتور فاضل الربيعي, ويبحثون في تاريخ الأمم والآلهة القديمة عبر كتابات الدكتور خزعل الماجدي والدكتور نائل حنون, وقد اشتغلوا منذ زمن عن تاريخ الأمم والشعوب عبر كتابات (أبو الثناء الآلوسي) وكتابات الدكتور جواد علي والدكتور محسن مهدي, بينما أنجز الدكتور عبد الله إبراهم موسوعته في السرد العربي, وأنجز الدكتور خير الله سعيد موسوعته في التراث الشعبي العراقي, واستمر الأستاذان سعيد الغانمي وناجح المعموري في بحوثهما المثمرة في التكوينات السرديَّة القديمة والأستاذ ياسين النصير في بحوثه التي ارتقت بفكرة الزمن وارتباطته بالمكان المعرفي.
كل هؤلاء وسواهم من مبدعي العراق يقدمون الجديد في المعرفة الى عالم اليوم, وكل ما يمكن أنْ يوصل أفكارهم الى هذا العالم هو الترجمة, ليستطيع الآخرون معرفة الحرث في البحر واستصفاء اللؤلؤ العراقي المنير منه.
لن نتحدث عن السرد ورجاله, ولا عن المسرح العراقي ولا عن البحث في نتاجات الفولوكلور العراقي الأخاذ، لكننا عن كلية المعرفة العراقية وتمظهراتها، ولن نركن الى ما أنتجنا, بل نزيد عليه وسط محاولات لغمط هذه النتاجات ومسح حقوقها من دون قدرة, إلا على إيضاح الحق وكشف اللؤلؤ العراقي وسط بحر المعرفة الإنسانيَّة ماضياً وحاضراً.