الى أيِّ حدٍّ تقف الولايات المتحدة مع اسرائيل؟

آراء 2021/05/27
...

  محمد صالح صدقيان
وزير الخارجية الاميركي انطوني بلنيكن سيكون في المنطقة نهاية الاسبوع. الهدف المعلن هو دعوة الاطراف المعنية لتعزيز وقف اطلاق النار في الاراضي الفلسطينية المحتلة. الهدف غير المعلن لا اعرفه؛ لكنه ليس ببعيد عن تطورات الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط خصوصا في ما يتعلق بمشروع «حل الدولتين». في أول إنجاز حققته حركات المقاومة في حربها مع الكيان الاسرائيلي هو سقوط «صفقة القرن» التي عمل كوشنير الصهر المدلل للرئيس الاميركي دونالد ترامب على تسويقها خلال رئاسته.
 
ثاني انجاز؛ عودة القضية الفلسطينية للمسرح السياسي الدولي والاقليمي على حساب مسار التطبيع الذي مارسته الادارة الاميركية السابقة مع كيان 
العدو. 
الانجاز الثالث كشف هشاشة المؤسسات الامنية الاسرائيلية والمعلوماتية التي لم تستطع اخفاء المواقع الستراتيجية عن صواريخ وقذائف المقاومة التي لاحقتها في اكثر من مدينة واكثر من موقع، كما انها فشلت في ملاحقة ورش صناعة هذه الصورايخ والقذائف في القطاع المحاصر. الانجاز الرابع اظهر بشكل لايقبل الجدل ان الجيش الذي «لايقهر» لم يعد كذلك؛ وان قطاع غزة المحاصر من البر والجو والبحر استطاع ان يهزم هذا الجيش الذي اضطر في نهاية المطاف الى الاستسلام وقبول وقف اطلاق النار من دون شروط مسبقة. الانجاز الخامس ان ظروف الحرب لم تحقق «النصر السهل» الذي طلبه رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو في غزة بعدما استمر تساقط الصواريخ على اسرائيل بوتيرة لم يسبق ان تعرضت لها تل ابيب ومناطق اسرائيلية؛ وعطلت الحياة الاقتصادية؛ وارغمت مايزيد على 3 ملايين اسرائيلي على ملازمة الملاجئ. الانجاز السادس عادت فلسطين لواجهة الاحداث بصفتها القضية المركزية في المنطقة بعدما حاول الرئيس ترامب بالتعاون مع نتنياهو الى طي هذه القضية نهائيا من خلال تهويد مدينة القدس وطرد عائلات حي الشيخ جراح؛ وجعل مدينة القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي. سابع انجاز اظهر عقم الجهود الاسرائيلية التي حاولت تقسيم الشعب الفلسطيني الى «عرب 48» وسكان الضفة الغربية وسكان قطاع غزة؛ إذ ظهر الشعب الفلسطيني جسدا واحدا «اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر 
والحمى». 
انجازات حرب مايو 2021 لم تقتصر على ماتقدم لكنها بالتأكيد لم تكن كما اراد ان يصورها نتنياهو «نجاحا منقطع النظير» في المنازلة مع حركة حماس وتوجيه «ضربة قوية» لحركات المقاومة الفلسطينية. 
وزير الخارجية الاميركي انطوني بلنيكن قبل ان يشد الرحال للمنطقة قال خلال اجتماع لمجلس الامن الدولي «ان عددا من الاجراءات الاميركية في السنوات الاخيرة ادت الى تقويض النظام العالمي القائم على القواعد وثقة الاخرين في التزام واشنطن بها». لم يتردد بلنيكن في الدعوة الى تنفيذ مشروع «حل الدولتين» في دلالة واضحة وقناعة كاملة على عدم فاعلية «صفقة القرن» فضلا عن إيمانه ان الادارة الاميركية السابقة عملت على «تقويض النظام العالمي». 
الاتصالات الاربعة التي أجراها الرئيس الاميركي جو بايدن مع نتنياهو خلال 11 يوما كان آخرها يوم الخميس ان طلب ايقاف الحرب. مرشد الادارة الاميركية الروحي بابي ساندرز لم يدخر جهدا في الضغط على الادارة من اجل وقف مسار ارتفاع نسبة الضرائب التي تتحملها الولايات المتحدة من جراء تهور قادة اسرائيل وعلى راسهم نتنياهو في الاراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. 
لقد اثبتت الحرب الاخيرة ان وجود اسرائيل اصبح مكلفا على الولايات المتحدة التي لاتستطيع ان تكون ضمانة لاسرائيل طوال الوقت وفي اي 
مكان. 
لانبالغ اذا قلنا ان اسرائيل فقدت الكثير من عناصر تفوقها المعنوية والاخلاقية في حواضنها الغربية. دعوة المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل الى «حوار غير مباشر مع حركة حماس» يعكس هذه الحقيقة. 
في الجيوبولتيك؛ لم يعد مشروع «كيان اسرائيل» يتناغم والظروف التي تمر بها المنطقة والعالم على حد سواء. لا وجود للحرب الباردة. كما ان الخدمات التي تقدمها اسرائيل لم تعد تسيل لها لعاب الولايات المتحدة والدول الغربية. فضلا عن ان مشكلات اسرائيل المتعددة اصبحت من الصعوبة تحملها والتي لاتنسجم مع الكلف الباهظة التي تقدمها الولايات المتحدة على حساب مصالحها في 
المنطقة. 
لا أعرف دقة النظريات التي تتحدث عن نهاية اسرائيل في الاعوام المقبلة لاعتبارات يسردها المدافعون عن هذه النظريات؛ لكن ما أعرفه أن «قواعد اللعبة» تسير بمسار جديد سواء على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي او على صعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وحتى - ان لم أكن مبالغا - على صعيد الدولي 
الاسرائيلي.