حارث رسمي الهيتي
لا شيء يشكل خطراً على أي نظام سياسي أكثر من أن يتجمّد هذا النظام ويتقوقع على نفسه، أو أن يقف الى الدرجة التي يتصوّر بها المنضوون تحته، وهم من منح هذا النظام شرعيته، إنه قد فارق الحياة أو لم يعد لوجوده مبررا. والسبب الأبرز للوصول الى الحالة تلك هي القناعة التي تتلبس قادة وزعماء هذا النظام، وتوحي لهم بأن الحالة التي هم عليها اليوم هي الحالة الطبيعية/ الثابتة أو حتى باعتبارها مسلمة من المسلمات. هذا من شأنه أن يدفع بالنظام السياسي نحو الانغلاق، وهذا الأخير بدوره يدفع كلما تقدم به الوقت الى مزيد من عمليات «الاستبعاد» ان صح التعبير وهي المرحلة الأكثر خطراً وتهديداً لكل الوضع القائم. فمن منا لم يقرأ من دروس قدمتها كثير من التجارب في بلدان مختلفة عن النتائج، التي تمخضت عن انغلاق افقها السياسي
ذاك.
عكسه هو ان يتجه القائمون على ادارة الشأن العام نحو فتح المجال السياسي أمام أكبر عدد ممكن من الجماعات والتنظيمات للوصول الى ما يمكن اعتباره «تحرير المجال العام» وعدم احتكاره، وهنا نعني العمل الحقيقي من أجل ذلك وهذا يتطلب أول ما يتطلبه قناعة القائمين على الأمر بهذا الجانب ولا تنتهي بتشريع القوانين الناظمة لذلك، وهذا بحد ذاته يساعد على بقاء النظام ويعطي مساحة عمل اكبر من أجل ديمومته واصلاحه تدريجياً والوصول به الى الحد المقنع/ المشترك، من دون القفز نحو خيارات من الممكن أن تذهب بالجميع نحو منطقة «غير مفكر فيها» للخلاص من الأزمات المتوالية التي يعاني منها، أو رغبة منه وتطلعاً لبناء نموذج وجو غير هذا الذي
يعيشه.
فتح المجال السياسي يعني تنازلاً تقدمه أي طبقة سياسية حاكمة في أي نظام قائم، تنازل يتيح للآخرين/ المختلفين أن يشاركوا في رسم وبناء التجربة السياسية، اصرار أي طبقة سياسية على عدم اشراك الطامحين للمشاركة، والتغيير لا يشكّل شيئاً أمام اصرار وعناد الساعين نحو تغيير الاوضاع القائمة، وامام هذا الاصرار المتبادل ممكن أن تضحي الطبقة الحاكمة بكل شيء، بدلا من التنازل الذي من الممكن أن يبقى لها شيء.