عباس الصباغ
رغم اهميتها القصوى في رسم خريطة اقتصادات البلدان الريعية ومنها العراق فان بورصة اسعار النفط صعودا او هبوطا لم تعد تحوز على الاهتمام الكافي لتلك الدول، فالارتفاع لم يعد مفرحا والهبوط لم يعد مقلقا بالقدر الكافي من الاهمية ولكن يبقى العراق استثناء منها وذلك لان معظم تلك الدول ومن زمن بعيد فسحت المجال لتعدد مواردها الاقتصادية
وفتحت باب الاستثمار مع توفير البيئة المناسبة لذلك لكسر هيمنة اسعار بورصة النفط على اقتصاداتها كمحاولة للتحرر من قبضة احتكار برميل النفط بشتى السبل، وللأسف فان هذا الامر بقي بعيدا عن واقع حال الاقتصاد العراقي الذي لم يزل ريعيا من خمسينيات القرن الماضي، ولم يتحرك قيد انملة في الحذو لاقتصادات الدول الريعية الاخرى كدول الخليج على سبيل المثال، فما زالت بقية الموارد عدا النفط تحقق عوائد مالية خجولة وما زالت نسبها تكاد لاتذكر في الموازنات المالية العامة، التي لم تزل هي الاخرى تعاني من عجز مالي مستديم، لأن هيكليتها تبنى على سعر برميل النفط الذي يتحكم بجميع بنود وبرامج الموازنات وهو بدوره يكون خاضعا لسياسة العرض والطلب ومناخ السياسة المضطرب، ويضاف الى ذلك ان معظم تلك الدول الريعية النفطية قد اسست ما يسمى بصندوق سيادي نفطي، يستوعب فائض اسعار النفط ويضمن حقوق جميع الاجيال من ثروات البلد، وهاتان المزيتان «تعدد الموارد وصندوق سيادي نفطي» لا تتوفران في الاقتصاد العراقي المغرد خارج السرب، فلا الجيل الحالي مطمئن الى ما توفره بورصة النفط من اموال تكفي لتغطية شقيّ الموازنة المالية العامة الاستثماري والتشغيلي وبسبب تذبذب اسعار النفط والعجز المستديم في الموازنة ولاستحواذ الجانب التشغيلي فيها على الجانب الاستثماري، انزوى الاستثماري تحت هامش الاستحقاقات المالية، لان الجانب التشغيلي صار يستحوذ على جميع الموازنة التي لم تعد تكفي لتغطيته لوحده فهو له حصة الاسد، ولا الاجيال اللاحقة قد ضمنت حصتها.
في ظل الاعتماد شبه الكلي على برميل النفط المتذبذب وعدم تنويع مصادر الدخل القومي للبلد وعدم تأسيس صندوق سيادي نفطي وعدم التحول التدريجي الى اقتصاد السوق، قد ياتي زمن لايستطيع برميل النفط تغطية ابسط متطلبات الموازنة، وقبل ان يتجه العالم الى البحث عن مصادر بديلة ونظيفة للطاقة، لذا يجب الاسراع «عمليا» بتنويع الموارد الاقتصادية وتأسيس صندوق سياسي نفطي عراقي، والتحول الى اقتصاد السوق وتمكين الدولة من ممارسة حقوقها المالية كجباية الضرائب المنافذ الحدودية واي مورد يصب في خدمة الصالح الاقتصادي العراقي العام.