القطاع الخاص والسيولة النقدية

آراء 2021/06/05
...

 احمد داخل
لعل الكثير من دول العالم الثالث تداركت مسألة الاعتماد على مورد واحد في سد موازناتها خصوصا البلدان النفطية متخطية مبدأ «الاقتصاد الأحادي الجانب». فعمدت تلك البلدان الى التنوع في مواردها، واولى الخطوات هي: تشجيع القطاع الخاص المحلي من خلال إعطائه جميع التسهيلات والمرونة في صياغة قوانين تسهل له التحرك والعمل بحرية مبتعدةً عن مبدأ البيروقراطية في التعامل
فالقطاع الخاص المنتج بمقدوره أن يسهم في نمو الاقتصاد المحلي ويلبي أغلب الاحتياجات المحلية كامتصاص البطالة مثلا من خلال توفير فرص عمل للعاطلين عند ذاك سيرفع عن كاهل الدولة نفقات مالية كثيرة تنفق في قطاعات اقتصادية كالزراعة والصناعة والسياحة وغيرها التي بمقدورها النهوض بنفسها بمساعدة القطاع الخاص المنتج، والنتيجة تحقيق إيرادات مالية وسيولة نقدية من شأنها أن تحرك السوق، وهذا الأمر سيدعم موازنة الدولة التي ستنصرف إلى تكريس غالبية مواردها المالية في سد نفقات القطاعات الأخرى ذات الإنتاج غير المنظور، وأخص بالذكر القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم ورياض الأطفال وغيرها، منذ أكثر من سبعة عشر عاما، والعراق يواجه هذا التذبذب والتعثر في الموازنة السنوية التي يذهب جلها للتشغيل، والقليل منها للاستثمار في تغطية نفقات المشاريع الخدمية، مثل هذا الكلام حقا لأن الطريقة المتبعة هي المبدأ الريعي.
الاعتماد على مورد النفط الذي يخضع دائما للتقلبات السياسية العالمية، وهذا ما جعل الدولة اليوم في حرج مالي مستعصٍّ بل حتى الفرصة التي منحت للقطاع الخاص لم تستثمر بالشكل المطلوب.
معلوم أن القطاع الخاص العراقي كان عريقا منذ الخمسينيات وهو الرائد في عملية الاستيراد والتصدير يوم كان دور الدولة في المجال الاقتصادي محدودا يتلخص في مؤسسة التمور العراقية وشركة النقل بعدها تراجع دوره في السنوات التي تلت.
مع هذا لم يكن اليوم القطاع الخاص جادا في استثمار فرص محلية إنتاجية صناعية او زراعية بل أخذ يبحث عن فرص ذات الربحية السريعة التي لا تحتاج إلى أيدي عاملة، مثلا الاستثمار في إنشاء المولات التجارية والسوبر ماركتات وغيرها والتي تعتمد أيضا على استيراد البضائع والسلع التي لا يتم تصنيعها محليا، فحصل أن غرقت الأسواق المحلية بالبضائع والسلع مع شح في السيولة النقدية التي يعتمد غالبية الشعب على إيرادات الدولة من خلال «المرتبات الشهرية»، وهي اليوم بين مد وجز، وهذا الأمر جعل البلد استهلاكيا بامتياز.
أو الاستثمار في مجال التربية التعليم الذي يبحث عن جدوى الربحية اكثر من جدوى العلمية، فعلى مستوى التعليم الجامعي الأهلي يقوم بتخريج أفواج من الخريجين من دون استيعابهم في سوق العمل الذي يعاني الاختناق أصلا.
إن الرؤوس الاموال العراقية الكبيرة التي يمكن الاعتماد عليها وظفت في الخارج لأسباب منها:  ايجاد بيئة استثمارية مناسبة، فضلا عن التسهيلات المقدمة في التعامل  أو ربما غياب الشعور الوطني دفعها للعمل في الخارج.
ومعلوم ايضا أن رأس المال بطبيعته «جبان» يبحث عن الربحية والبيئة الآمنة.
لكن أين الهم الوطني الذي يدفع بصاحب راس المال الى توظيف هذه الأموال في الداخل لا في الخارج مع دعم وتشجيع الدولة له بخلق بيئة استثمارية صالحة.
ما الضير من ان يكون مصنع للسيارات أو تجميعها في إحدى المحافظات يستوعب أفواجا من المواطنين بين أيدي ماهرة وأخرى غير ماهرة والعراق مليء بالطاقات الشابة من الخريجيين، ومن ذوي الاختصاصات العلمية مع رفدهم بالخبرة العلمية من الخارج، أو مصانع للمواد الكهربائية والمنزلية مثلا التي تستوعب أعدادا من العاطلين او اعادة تنشيط الصناعات الحرفية التي تشجع الشباب اليافع على حب العمل وتلهيهم عن التفكير في أمور أخرى، أو إعادة تشغيل مصانع الدولة المعطلة أو المتلكئة في الإنتاج بصيغة «القطاع المختلط» في خطوة لتشجيع القطاع الخاص المحلي عند ذاك سينشط الاقتصاد وستتعدد موارد الدولة.