بريطانيون يتسابقون نحو جواز السفر الأوروبي

بانوراما 2019/02/16
...

ستيفان موس 
ترجمة: مي اسماعيل
منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي؛ تقدم آلاف البريطانيين بطلبات الحصول على الجنسية في دول اخرى من الاتحاد. فقد حوّل قرار بريكست مواطني المملكة المتحدة الى أناس مزدوجي الجنسية؛ فأصبح وجود جد أيرلندي داخل الاسرة أمرا عالي القيمة؛ إذ سيكون لأحفاده الحق بحيازة جواز ايرلندي.. وبالتالي: أوروربي. وارتفعت معدلات طلب الحصول على جوازات السفر الايرلندية؛ إذ تقدم بها نحو مئتي ألف بريطاني خلال العام الماضي؛ كان نصفهم تقريبا من أيرلندا الشمالية. (كل من ولد في الجزيرة الايرلندية قبل سنة 2005، أو ولد منذ 2005 من والدين ايرلنديين أو بريطانيين أو.. "يحق لهم العيش في ايرلندا الشمالية أو ايرلندا من دون اعتراضات على معيشتهم هناك" يمكنهم الحصول على الجنسية الايرلندية). أما النصف الآخر فهم بريطانيون يعيشون خارج ايرلندا؛ ممن اكتشفوا فجأة صلة قرابة (بمسقط الرأس) مع والد أو جد. تضاعف عدد الطلبات منذ استفتاء الانفصال؛ لكن النسبة الاكبر جاءت من خارج ايرلندا.. فأصبح جواز السفر الاوروبي (ذو اللون العنابي)، فجأة، "سلعة عالية القيمة"! 
يقول "نيل ريتشموند" رئيس لجنة "سيناد" الايرلندية الخاصة بالبريكست أن نحو عشرة بالمئة من الجالية البريطانية خارج ايرلندا الشمالية يحق لهم الحصول على الجواز الايرلندي. ورغم أنها نسبة كبيرة (يصعب التحقق من مصداقيتها)؛ ولكن حتى اذا كانت صحيحة نسبيا، واذا تعقد مسار مجريات بريكست؛ فان عدد المواطنين الايرلنديين سيرتفع كثيرا خلال السنوات القليلة المقبلة. وأصبح السعي نحو الجنسية المزدوجة من قبل البريطانيين المتأثرين بالبريكست أمرا يحدث في جميع أنحاء أوروبا؛ رغبة بحماية مصالحهم من حيث الاقامة أو الصحة أو العمل، فتقدم الغالبية منهم بطلب الجنسية الايرلندية والألمانية والفرنسية والبلجيكية والسويدية، لكن العديد من الدول الاخرى نالت اهتمام البريطانيين أيضا؛ منها النمسا وقبرص والدنمارك وهنغاريا ومالطا. وحتى لاتفيا حظيت بعدد مُفاجئ من طالبي الجنسية؛ ينحدر بعضهم من أصول لاتيفية، ممن فروا الى بريطانيا عقب الاحتلال السوفييتي لبلدهم سنة 1944. 
 
ميراث الأجداد
يقول "جون غريبون"؛ مدير تكنولوجيا المعلومات الذي يعيش ويعمل في بريطانيا؛ وهو أحد الآلاف الذين حصلوا على الجنسية الايرلندية مؤخرا (سنة 2018): "أردت فرصة العمل بأي مكان اشاء من أوروبا؛ ولم ارحب بحقيقة ان تلك الفرصة أُخذت بفعل البريكست". ولد جد غريبون في بلفاست سنة 1915، وخدم في الجيش البريطاني وتوفي سنة 1964. وعنه يقول جون: "رغم انني لم أقابله ابدا؛ فقد اعطاني (لكونه ايرلنديا) أفضل هدية وداع حظيت بها. بريطانيا كانت جزءا من ماضي حياتي وستبقى دائما كذلك؛ لكن ايرلندا ستعطيني الحرية لأكون كما اريد أن أكون". 
أما "مات هيرلي" (22 سنة، طالب ماجستير جيولوجيا بجامعة أوتريخت) الذي أصبح مواطنا ايرلنديا سنة 2017؛ فيقول: "غالبا ما أشعر أنني ايرلندي؛ فوالدي ايرلندي، وولدت أمي في بريطانيا لوالدين ايرلنديين. لم أطلب سابقا الجنسية الايرلندية إذ أحسست كأنني آخذ شيئا من بلد لم أقدم له شيئا؛ لكنني لم أعد أحس ببريطانيا كوطن لي، فهي قد نبذت أوروبا لكنني لم أفعل". ويمضي متحدثا عن المنافع العملية لقراره: "يسمح لي الجواز الايرلندي بالعيش خارجا دونما قلق من زيادة اجور دراستي الى نفس مستوى اجور الطلبة غير الاوروبيين، أو طلب تأشيرة الدخول الطلابية". 
أعداد طالبي الجنسية المزدوجة الأيرلندية جديرة بالملاحظة بشكل خاص؛ إذ أن عدد البريطانيين المؤهلين لها أعلى بكثير من أي دولة اوروبية اخرى. كما أن آلية التقديم لها مباشرة، فهي تلقائية  ومجانية لأطفال الأشخاص المولودين في أيرلندا (بحسب وثائق الميلاد). أما المولودون خارج ايرلندا (ممن لهم أجداد أيرلنديون) فعليهم دفع رسوم تبلغ نحو 250 جنيها استرلينيا (130 جنيها إسترلينيا للأطفال) للحصول على بيان الولادة. يطبق الاجراء نفسه في أنحاء اوروبا باستثناء اسبانيا وبولندا (اللتين لا تسمحان بالجنسية المزدوجة للاجانب)؛ وهذا أحد اسباب ترجيح عودة أغلب المقيمين البريطانيين في اسبانيا (اذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي دون اتفاق). 
 
بحثاً عن حرية التنقل
ارتفع عدد البريطانيين الطالبين للجنسية الالمانية خلال العام 2017 بنسبة الضعف عن 2016؛ وارتفع أكثر من عشرة أضعاف عما كان عليه قبل استفتاء الخروج البريطاني.  ومن النتائج البارزة لبريكست أن عددا كبيرا من الاشخاص الذين فرت أُسرهم من النازية عادوا الآن ليطالبوا بالجنسية الألمانية. تقول "نانسي كراوس" الطبيبة المتقاعدة التي تسكن ايست أنجيلا البريطانية: "ولدتُ في فلسطين سنة 1944 للاجئين ألمانيي المولد؛ حُرموا من جنسيتهم لأنهم يهود. تربينا ونحن نتحدث الانكليزية لأن عائلتنا أرادت أن نشعر بالانتماء لبريطانيا، والآن تقدمت للحصول على الجنسية الالمانية (الى جانب البريطانية)؛ وكان الحافز هو بريكست، وتسمح الجنسية الالمانية لي ولابنتي وأحفادي بالبقاء أوروبيين؛ ما يعطينا خيارات أكثر اذا باتت الامور صعبة هنا، ووراء ذلك يكمن الاحساس بتصحيح خطأ قديم والعودة الى الجذور (معنويا على الأقل) بالنسبة لوالديّ؛ واستعادة ما حرموا منه دون وجه حق، ولو ارادات الحكومة الالمانية الآن اصلاح الامور فإني أرحب بها..". 
تعد ألمانيا من الدول "المرغوبة" للحصول على جواز السفر؛ لأنها تحتل (مع فرنسا) المرتبة الثالثة ضمن مؤشر هينلي الدولي لجوازات السفر (الذي يصنف الدول حسب عدد الوجهات التي يمكن لمواطنيها زيارتها دون تأشيرة دخول). أصبح "بين رايت" (51 سنة، مستشار اداري) الذي يعيش في المانيا مع عائلته مواطنا مزدوج الجنسية؛ وهو يلقي اللوم على رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" لتبرير هذا الموقف: "قضيت ربع قرن وأنا أعمل واعيش واتنقل عبر اوروبا، ورأيت جدرانا تسقط وحواجز تُرفع. بريكست يقدم لنا جواز سفر أزرق؛ وهذا لا يغطي على حقيقة أن هذا الجواز يفقد قيمته. لم يكن التصويت على الخروج من الاتحاد الاوروبي هو القضية؛ وإنما قرار "ماي" أن على بريطانيا مغادرة السوق الواحد والاتحاد الجمركي.. وهذا ما يجعل الجواز الجديد امرا ضروريا؛ إذا ما رغبت بالعمل في مكان آخر داخل الاتحاد الأوروبي". كذلك ارتفع بشكل كبير عدد البريطانيين المتقدمين للحصول على جنسية هولندية او سويدية أو فرنسية؛ وفي غياب أي تقدم لتطبيق الفكرة التي عرضها عضو البرلمان الأوروبي السياسي البلجيكي "جاي فيرهوفشتان"، القاضية بعرض الجنسية "المشتركة" للبريطانيين الراغبين بالبقاء ضمن الاتحاد الاوروبي؛ فإن البريطانيين المتأهلين لجنسيات اخرى (حسب مسقط الرأس والزواج والسكن) أخذوا المسألة بأيديهم لتقرير مستقبلهم.. 
 
 صحيفة الغارديان البريطانية