وثيقة لتنظيم أعمال شؤون الألغام
ريبورتاج
2019/02/16
+A
-A
بغداد / فجر محمد
وضعت دائرة شؤون الالغام في وزارة الصحة والبيئة وثيقة لتنظيم أعمال شؤون الالغام في العراق وجاء في نصها، انه تنفيذاً لالتزامات العراق الدولية وتوحيداً لجميع الجهود الوطنية والتحديات الكبيرة التي تقف بوجه بلدنا العزيز في مجال ازالة الالغام والعبوات الناسفة والمخلفات الحربية في عموم محافظات العراق والمناطق المحررة فيها وبالنظر لانضمام العراق لاتفاقية اوتاوا لحظر واستعمال وتخزين وانتاج ونقل الالغام المضادة للافراد (APLC)وتقييد استعمال اسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر او عشوائية الاثر (CCW).
واتفاقية اوسلو لحظر واستخدام وتطوير ونقل الذخائر العنقودية (CCM)، فضلاً عن حقوق ورعاية الاشخاص ذوي الاعاقة ومساعدة الضحايا (CRPD) والالتزامات الدولية التي تقع على عاتق الحكومة العراقية لازالة جميع مخلفات الحروب واعادة دمج الضحايا في المجتمع ضمن توقيتات زمنية محددة، الامر الذي يتطلب وضع خطط وآليات واضحة لرسم رؤى مشتركة مع الجهات التنفيذية او التي تمتلك اراضي ملوثة.
الخبير بالشؤون البيئية احمد صالح اشار الى ان مشكلة الالغام وزرعها ووجودها على القشرة الارضية ليست بالحديثة، اذ عرفت منذ الحرب العراقية الايرانية وزرعت على حدود ومناطق محافظات ميسان والبصرة وغيرها، ولانها تكون قريبة من السطح، لذا غالباً ما يكون ضحاياها من الابرياء، لاسيما رعاة الاغنام، وزاد الامر سوءاً بعد الهجمة الداعشية على البلاد وزرعها الغاماً كثيرة في مناطق متفرقة لاستهداف القوات الامنية والابرياء في آن واحد ولكونها خطيرة على البيئة، لذا وجب التصدي لها ، ولهذه المواد مخاطر متعددة لاحتوائها على الحديد والبلاستيك ومواد اخرى غير قابلة للتحلل ، كما ان العبوات والالغام والمتفجرات بصورة عامة لها مخاطر كبيرة على النظام الايكولوجي، فضلاً عن اعاقة عملية انشاء السدود.
القنابل غير المنفلقة
كنت اصطحب اغنامي وامشي بين الحقول التي اعتدت عليها وعملت فيها، قال هذه الكلمات الخمسيني(ص،م) بوجه حزين ومكتئب وتابع القول:
"عندما دخلت في الحقل مشيت خطوات صغيرة دست خلالها على شيء لم اعِ ماهيته في التو واللحظة، ثم فقدت وعيي ولم اعد اشعر بما حولي حتى استعدته وانا في سرير ممدد بداخل احد المستشفيات وعلمت لاحقاً ان فرقاً من الدفاع المدني انقذت حياتي".
يضطلع قسم معالجة القنابل غير المنفلقة في مديرية الدفاع المدني بالاهتمام بالقنابل الملقاة على المدن الحدودية، خصوصاً تلك التي القتها القوات الاميركية في وقت الحرب عام 2003 والدواعش ايضاً، ويقول مدير اعلام مديرية الدفاع المدني العقيد جودت عبد الرحمن :"ان القنابل غير المنفلقة والالغام تنتشر بشكل كبير في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد ، فضلاً عن المدن التي احتلتها داعش وعلى وجه الخصوص حقول علاس وحمرين، كما وجدت في المناطق الغربية.
لذلك تهتم المديرية بالمتساقطات الجوية والمخلفات الحربية، وقامت الفرق المتخصصة بالالغام بمعالجة ما يقارب 2915 لغما شملت قنابل ومقذوفات ومخلفات حربية في محافظات متعددة، منها ميسان والديوانية والمثنى والنجف وكربلاء وديالى وصلاح الدين والانبار.
لافتاً الى ان المسؤول عن معالجة القنابل ضباط اكفاء لهم باع طويل في هذا المجال، كما ان هذا القسم تأسس عام 1982 ،تزامناً مع الحرب العراقية الايرانية اذ اقتضت الحاجة والضرورة الى الاهتمام بهذا التشكيل آنذاك ولغاية وقتنا هذا، كما قدمت المديرية عدداً من الشهداء والمصابين الذين كانت مهمتهم مرافقة الجيش العراقي بعد تحرير المدن من قبضة داعش مؤخراً، وتقوم مديرية الدفاع المدني بالكشف المستمر عن القنابل والمخلفات الحربية، ومما زاد من خطورة الوضع ان الامطار والسيول التي ضربت البلاد مؤخراً ادت الى جرف تلك القنابل غير المنفلقة وسببت مشاكل ومخاطر كبيرة لسكان تلك المناطق.
مسوحات متعددة
لم اتمكن في الايام الاولى من الحركة، اذ فرض عليًّ ان اظل مستقراً بمكاني دون ابداء ادنى حركة، وذلك كي يلتئم الجرح وبمرارة وحسرة واضحتين في صوته اشار الى ذلك (ص،م) وتابع القول:"عندما احتل الدواعش مدننا استخدموا ابشع الطرق والاساليب لقمع السكان، وكانوا يستهدفون القوات الامنية والمدنيين على حد سواء، ومن ادواتهم العبوات الناسفة التي كانوا يتفنون في صناعتها، وبعد ان ضربت السيول والامطار مدننا اخذت تلك الالغام والمتفجرات بالظهور على السطح ما سبب مشكلة حقيقية لنا جميعاً".
الخبير المتخصص في مجال مكافحة المتفجرات الذي فضل عدم الافصاح عن اسمه قال :"من الملاحظ ان العبوات الناسفة وللسنة الثانية على التوالي قد كثرت في المناطق الحدودية، خصوصاً في الانبار والموصل، ولكي تعالج بشكل صحيح، فان هناك طرقاً قياسية لدى الخبراء من اجل ان يقوموا بابطال مفعولها اولاً ثم التخلص منها لاحقاً، وباستمرار هناك ضحايا سواء من رعاة الاغنام او المدنيين العزل واحيانا الحيوانات، وهناك طرق واساليب تستخدم من قبل الارهابيين على سبيل المثال وضع برميل وتحته عبوة او لغم وهذا ما يعرف بمصيدة المغفلين، ويستخدم الخبراء حبلاً خطافاً لسحب البرميل تحسباً لوجود اي مواد متفجرة اسفله".
الخبير البيئي لفت الى ان هذه الالغام تتطور بشكل مستمر وتخضع لعملية التخفي وعدم امكانية كشفها ولا حتى عن طريق الاشعة السينية، لذلك فان الاجهزة الامنية تتطور وتستخدم اجهزة تشبه تلك المستخدمة بالتنقيب عن الذهب، فضلاً عن الروبوتات الآلية.
مشيراً الى ان التحديات كبيرة وتتطلب وقفة دولية وحكومية، لان العراق لا يحارب من اجله وحده بل من اجل العالم باكمله.
منظمات دولية
وزارة الصحة والبيئة اتفقت مع شركات دولية مختصة بمجال الالغام من اجل اجراء مسوحات على المناطق المحررة لازالة الالغام ومعالجة الاشعاعات التي خلفتها حروب داعش الارهابية، في وقت حصلت فيه البلاد على تمديد للوصول الى عراق خال تماماً من الالغام في عام 2035.
الوكيل الفني لشؤون البيئة في الوزارة الدكتور جاسم الفلاحي بين ان القطاع البيئي يتمتع باهمية خاصة نظراً للتحديات التي تواجهها البلاد، خصوصاً في مجال اجراء المسوحات وازالة الالغام لان الاحصائيات تشير الى وجود اكثر من 35الف لغم مزروع على طول الحدود العراقية الايرانية ممتدة من محافظة السليمانية الى البصرة، وهي تحتاج الى جهود استثنائية للكشف عنها، كما ان هذه المناطق الملغمة تعاني من التلوث ايضاً بسبب الممارسات التي كان ترتكب من قبل عصابات داعش الارهابية.
لافتاً الى انه تم الاتفاق مع منظمات دولية لاجراء الكشوفات على المناطق المحررة ومعالجة الاشعاعات فيها، حيث باشرت بعملها في الكشف عن مناطق هيت والفلوجة والساحل الايمن للموصل وجامعة الموصل بغية معرفة مكان الالغام وتنظيفها، مع الاهتمام بالاستعانة بالخبرات الدولية المهمة والمتطلعة على شؤون الالغام، خاصة في المناطق الحدودية مع ايران لاغلاق ذلك الملف الذي استمر لسنوات عديدة نتيجة كثرة الحروب التي شهدتها البلاد وظهور ملفات اخرى جديدة خلفتها حرب داعش
الارهابية.
مسؤوليات مشتركة
تضم الوثيقة عدداً من الجهات التي تقع على عاتقها ادارة شؤون الالغام منها اللجنة الوطنية العليا لشؤون الالغام وهي الجهة المشرفة على هذا النشاط ومن بين مهامها المصادقة على مسودة قانون دائرة شؤون الالغام في العراق ودعم ستراتيجيتها وخططها الوطنية، وحث الحكومات المحلية والجهات المستفيدة على توفير التخصيصات المالية لتطهير المساحات الملوثة، اما وزارة الصحة والبيئة فتخطط وتنسق وتشرف وتنفذ وتتابع جميع نشاطات شؤون الالغام في العراق، وبالنسبة لوزارة الدفاع فتقوم بعمليات استطلاع وتأشير لحقول الالغام المزروعة ضمن الشريط الحدودي للبلاد، فضلاً عن استيراد مواد تفجير خاصة بالالغام وتنسيب مفرزة اتلاف مع الشركات والمنظمات العاملة، كذلك على وزارة الداخلية، متمثلة بمديرية الدفاع المدني ان تعالج وتتلف القنابل والصواريخ، اما مديرية مكافحة المتفجرات فمن واجبها ان ترسل معلومات كاملة عن المساحات واعمال الازالة.
عمليات التحرير
ممثل وزارة الداخلية في دائرة شؤون الالغام ومدير مركز تدريب مكافحة المتفجرات في الوزارة العميد رياض شوع هويدي نوه الى انه في وقت الكوارث البيئية والسيول والامطار تتبنى الجهات المرتبطة بالبيئة بالتعاون مع الدفاع المدني والداخلية الكشف عن العبوات الناسفة التي تعرف علمياً بجهاز التفجير المرتجل IED وهو يشمل البيوت المفخخة والعبوات الصغيرة، ومن المعروف ان صناعة ذلك الجهاز مرتجلة ضمن البيئة المحيطة، اذ ان الارهابيين غالباً ما يحاولون الاستفادة من اي شيء محلي الصنع ليضعوه في الجهاز لالحاق اكبر عدد ممكن من الخسائر
والضحايا.
هناك عبوات ناسفة تولت معالجتها منظمة الامم المتحدة لشؤون الالغام UN MAS خصوصاً في محافظات نينوى والانبار واطراف كركوك، فضلاً عن ان عمل خبراء المتفجرات مستمر ولا يقتصر فقط على وقت الكوارث البيئية بل تتلقى الجهات المختصة نداءات المواطنين وتستجيب بالتعاون مع مديريات الشرطة في المناطق المعنية، ومنذ عام 2007 ولغاية 2017 جرت معالجة اكثر من الف عبوة ناسفة، كما ان الخبراء نزلوا الى ارض معارك التحرير وشاركوا في العمليات منهم من نجا ومنهم من استشهد في ارض المعركة.