زهير كاظم عبود
تتمثل الرشوة بشكل عام بطلب او عرض من الجاني الراشي الى المرتشي يطلب منه اداء عمل معين او الامتناع عن اداء عمل معين، وقد التفت المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل بأن أعد جريمة الرشوة من الجرائم التي يحكمها الباب السادس في المواد «307 - 321»، وذلك حماية للمصلحة العامة وعدم المساس بها، وللوظيفة العامة بشكل خاص حتى لا يتاجر بها على حساب المصلحة العامة للمجتمع. ويتمثل النشاط الاجرامي لهذه الجريمة بطلب يصدر من الراشي وينص القانون على معاقبة الراشي بمجرد الطلب، وحتى من دون ان يحصل القبول من الطرف الاخر، وتكتمل أركان الجريمة بقبول الطرف الاخر الرشوة المعروضة وتسلمها او الانتفاع بها، وسواء كانت الرشوة مالا منقولا او غير منقول او عطية او منفعة، فإنها تدخل ضمن تعريف الرشوة التي يعاقب عليها القانون.
ولما كانت الانتخابات ممارسة ديمقراطية اكدتها نصوص الدستور العراقي في المادة «5» حيث نصت على أن السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية، وأعطت المادة «20» منه لجميع المواطنين على اختلاف أجناسهم حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح، ولهذا جاء نص المادة «49» من الدستور ليؤكد أن انتخاب اعضاء مجلس النواب يكون بطريق الاقتراع العام السري المباشر، وأناط الدستور بمجلس النواب اصدار تشريع ينظم شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب، ومن الطبيعي أن يتضمن هذا القانون العقوبات المفروضة على من يخل بعملية الاقتراع الديمقراطي ويسلك سلوكا اجراميا في الممارسة، باعتبار أن مثل هذا السلوك يؤكد ليس فقط الفعل المخالف للقانون، انما يؤكد أيضا الطريق غير السليم الذي يريد الفاعل سلوكه بالوصول الى غايته لتحقيق مآربه وغاياته المرتبطة بهذا السلوك حتما .
فضلا عن كونها ممارسة تتعارض وتتناقض مع المبادئ الديمقراطية، التي أعدّها الدستور من اسس التشريع في العراق، وبالتالي افراغ معاني الانتخاب الحر من معانيه، وإدخال سلوك هجين لا يمكن قبوله ضمن المجتمع العراقي وهو يحبو في اولى خطواته لممارسة حق الاختيار لممثليه في السلطة التشريعية.
إن شيوع مثل هذا التصرف المدان يخلق نوعا من التعارض بين معنى تمثيل الشعب وبين معاني المصلحة الذاتية والقصد الشخصي وبالتالي محاولة لخلط تلك المعاني، حيث أن من يمارس مثل هذا السلوك المعاقب عليه قانونا لا بد وان تكون غايته متجهة اما لمنافع ذاتية او لأمراض شخصية دفينة.
ولهذا جاء قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013 لتفصيل العمل في حق الانتخاب وشروط المرشح والناخب وحق الترشيح والدوائر الانتخابية وكوتا النساء، وسجل الناخبين والدعاية الانتخابية والأفعال غير القانونية التي قد يتم ارتكابها ضمن الدعاية الانتخابية او الضغط على الناخبين وتهديدهم او ابتزازهم او عرض الرشوة عليهم، ومع أن حق المرشح مكفول في أن يقوم بممارسة الدعاية الانتخابية منذ بدء المصادقة على قوائم المرشحين من قبل المفوضية ولغاية قبل يوم من بدء الاقتراع، إلا ان القانون في المادة «28» منه حظر ممارسة أي شكل من اشكال الضغط او الاكراه على الناخب، كما حظر منح مكاسب مادية او معنوية بأي شكل كان، ومنع القانون الوعد بها بقصد التأثير على نتائج الانتخابات.
كما أكدت الفقرة ثانيا من المادة «32» من القانون بمعاقبة من أعطى أو عرض أو وعد بان يعطي ناخبا فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو على الامتناع عن التصويت.
ان الحظر الذي وضعه القانون على بعض الممارسات المخالفة لمنطق الممارسة المتطابقة مع حرية المواطن المكفولة من قبل الدولة والمتمثلة في ابداء الرأي بكل حرية دون ضغط او ترهيب او ترغيب او وعد او رشوة، وحرصا من المشرع على أن يؤدي المواطن دوره تعزيزا للمشاركة السلمية لتحقيق الاهداف في بناء الدولة الصحيحة والتزام الجميع بالقانون، وان من اول مهام عضو مجلس النواب هو اداء مسؤولياته القانونية ورعاية النظام الديمقراطي وصيانة الحريات العامة والخاصة والالتزام بالقوانين.
ولخطورة مثل هذه الأفعال التي يجرمها القانون فقد عاقبت المادة «36» منه على الشروع في جرائم الانتخاب المنصوص في هذا القانون بعقوبة الجريمة التامة، وحرصا من المشرع على سلامة العمل الانتخابي وشفافيته بقدر الإمكان لـتأسيس قاعدة مستقبلية يحترم فيها الجميع القانون، فإن معاقبة من يريد أن يكون ممثلا للشعب بطرق غير قانونية ومبتذلة بعقوبات رادعة تجعله عبرة لغيره حتى لايكون هذا التصرف او السلوك قاعدة يمكن ممارستها مرة اخرى، ويفترض أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقضاء العراقي هما الحريصان على تطبيق هذا الجانب بأمانة وموضوعية.
ولأننا بلد يطمح باحترام الحقوق والحريات الأساسية في الدستور، وان تكون الثقافة السياسية المؤثرة في الوعي الشعبي وفقا لما تمليه مصلحة مستقبل العراق وليس وفق منظور المصالح الحزبية والانية الضيقة، ووفقا لمبادئ الاخلاق والممارسات النزيهة المتمثلة في التنافس الشريف، حتى لا نفقد المعايير والمعاني لمفهوم الانتخابات الحرة والنزيهة، وهو ما يتحدث عنه الشارع اليوم للأسف، والأحزاب والشخصيات السياسية اليوم امام امتحان وطني واخلاقي لتدرك حجم الخراب الذي يحل بالعراق، لأننا بحاجة ماسة لمجلس نواب يؤدي مهمته ومسؤوليته القانونية بإخلاص وتفاني وبمستوى الحاجة التشريعية للعراق الاتحادي.