علي جرادات
هل للقراءة أفقٌ أبعد من أنها فعل معرفي تراكمي، وحشد للمعلومات المتعددة في مجالات المعرفة المختلفة؟ وماذا لو كان فعل القراءة هو عبارة عن حالة من المتعة المعرفية، التي تريد الاستزادة الكمية من المعلومات والوقوف هنا وحسب؟ هذه الأسئلة التي بدأت تتفجر في خضم ما نشهده عربياً من حالة زيادة فعل المطالعة في عالمنا العربي، ولكن دون أن يتبعه حالة من رفع الوعي التساؤلي لدى الكثيرين من القراء، فليس من المستغرب مثلاً أن تجد أناساً يقتنون الكتب ويطالعون جزءاً منها، ولكنهم في المحصلة لا يكادون يختلفون شيئاً عن قطاع واسع ممن لا يقرأ من الناس! وهنا يأتي السؤال المحوري
هل القراءة بحد ذاتها من حيث الكم قادرة على إيجاد حالة تطور فكري ووعي تجاوزي للفرد القارئ؟ أم أن هناك أبعاداً أخرى لا بد من توافرها للوصول لحالة من الاستفادة النوعية من
المقروء!
هذه الأسئلة أقدمها بعد ما رأينا من حالة غريبة تجتاح جزءاً من متصدري المشهد الثقافي في عالمنا العربي، حيث إن القراءة لديهم مجرد نشاط ترفيهي، تتم ممارسته من باب الشهرة والانتشار ومواكبة الموضة القرائية وحسب، من دون أن تعمل هذه القراءة فيهم حالة من الوعي النقدي اللازم والضروري، لتثوير وعي المتلقي الذي يتابع ويتلقى ما تكتبه هذه
الشريحة.
لا شك أن فعل القراءة بحد ذاته يشكل فعلاً حضارياً مهماً للشعوب التي تبحث عن الحرية والارتقاء والبناء، ولكن حتى يتم التحقق من ذلك بفعل القراءة لا بد لها أن تكون قراءة نوعية تحفز جانب التساؤل والنقد والخروج عن شروط الواقع المأزوم والمتجذر في الكثير من مظاهر البلاهة والتخلف
والكسل!
إن القراءة ما لم تكن فعلا نوعيا يعزز حالة البحث الدائم عن التقدم والانتقال من حالة من الفوضوية والبلادة والتسليم الأعمى بالمتوارث في جميع أشكاله وتصنيفاته، إلى حالة من الحضارية الرفيعة، والسلوك المجتمعي المتأنسن، فما فائدة القراءة إذاً؟
القراءة هي بوابة الشعوب لبناء مجتمعات ذات جامعات مرموقة، ومؤسسات ثقافية تهتم بالمتاحف والمسارح والحدائق وسواها، وكذلك في تشكيل وعي اجتماعي وثقافي انساني يعمل على نبذ
التعصب والعنصرية والطائفية، ويحقق حالة رفيعة من التشارك والتعاون بين جميع أطياف المجتمع للوصول لبلد مفعم بالإنتاج والجمال والثقافة الحرة.
إننا بحاجة لتلك القراءة التي تثير في نفوسنا الحس النقدي الهادف والبناء، والتي تعتمد النوع لا الكم، أما أن تكون القراءة مجرد فعل للتسلية لا يغير في فاعله شيئاً ولا يجعله يسلك سلوكاً حضارياً حقيقياً فما جدواها إذاً؟...