صراع النفوذ بين أميركا وروسيا في الشرق الأوسط
قضايا عربية ودولية
2019/02/16
+A
-A
ترجمة : انيس الصفار
بورزو درغاي وأوليفر كارول
أسفر المؤتمران المتعلقان بالشرق الاوسط، المنعقدان في بولندا وروسيا، عن حقيقتهما يوم الخميس الماضي حين تكشّفت حدّة التنافس بينهما من اجل كسب النفوذ، ومدى تصلب الكتل الجيوسياسية المتواجهة مع بعضها، بخصوص هذه المنطقة المتأهبة للاشتعال.
في وارشو رسم وزير الخارجية الاميركي “مايك بومبيو” ونائب الرئيس “مايك بنس” وصهر الرئيس ترامب “جاريد كوشنر” الخطوط العريضة لما اطلقوا عليه وصف “مؤتمر السلام”، والذي يرقى في واقعه الى مجرد محاولة للضغط على الحلفاء المترددين وجعلهم ينخرطون في التحالف الآخذ بالتشكل ضد إيران الذي يضم اسرائيل والانظمة الملكية في شبه الجزيرة العربية.
في حديثه الذي جمع بين شجب الارهاب الداعشي وشعبوية طهران الاسلامية قال بنس: “يتفق القادة في مختلف انحاء المنطقة على أن اعظم تهديد للسلام والأمن في الشرق الاوسط هو جمهورية إيران الاسلامية، فهم يدعمون وكلاء لهم ومليشيات ارهابية. إن النظام الايراني هو الدولة الراعية الاولى للارهاب في العالم.”
معسكران وحلفان
في غضون ذلك اجتمع قادة روسيا وإيران وتركيا، يصحبهم مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى، في منتجع سوشي على البحر الاسود كجزء من مسعى الكرملين لإدارة نتائج وتبعات الصراع الدائر منذ ثماني سنوات في سوريا التي تحولت الى مسرح اقليمي أساسي لخوض المعارك.
يقول البروفسور “روبرت زولدا” المتخصص بسياسات الشرق الاوسط من جامعة لودز في بولندا: “كإن الزمن عاد بنا الى ما كان عليه قبل الحرب العالمية الاولى، أو الحرب الثانية، حين كان عندنا معسكران وحلفان. فالمنعقد في وارشو ليس مؤتمراً للسلام، بل هي عملية انشاء حلف. وروسيا هي الاخرى يهمها جداً ان تظهر للعالم أنها زعيمة معسكرها.”
على هامش مؤتمر وارشو تحدث “برايان هوك”، المبعوث الخاص للسياسة الإيرانية في وزارة الخارجية، فهوّن من شأن مؤتمر سوشي في حين أشاد بوحدة الموقف في اللقاء الذي تتزعمه الولايات المتحدة. قال هوك: “الأمران ليسا عملية متوازية، لقد دعونا روسيا للحضور لكنها كما أعتقد فوّتت الفرصة على نفسها.”
كلا التحالفين تتخللهما خلافات عميقة وانقسامات قد تتولد منها تفجرات مستقبلية. فمؤتمر قمة سوشي هو المرة الرابعة التي يجتمع فيها الثلاثي: روسيا وإيران وتركيا، لبحث مستقبل سوريا، وهو المرة الأولى منذ إعلان الولايات المتحدة عن عزمها على الانسحاب من المنطقة.
إن يكن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان متفقين ومجمعين على مبدأ التباحث بشأن مستقبل سوريا فإنهم مختلفون في ما بينهم حول المواضيع الثلاثة الأهم في الاجندة. لقد كشفت مسألة الانسحاب الاميركي عن وجود تباينات معينة في الرأي بين الثلاثي المشار اليه بخصوص مناطق شمال شرق سوريا الواقعة حالياً تحت سيطرة القوات الكردية والاميركية. فأنقرة، التي ترى في القوات الكردية تهديداً أمنياً، لديها خططها العسكرية الخاصة للمنطقة. وفي وقت سابق من الاسبوع الماضي حذر أردوغان القوات الكردية بضرورة الخروج في ظرف بضعة اسابيع كحد أقصى، بيد أن هذا الوضع لا يناسب أياً من موسكو أو طهران.
تباين جذري
في يوم الجمعة 8 شباط أكد نائب وزير الخارجية “سيرغي فيرشينين” على ضرورة تجنب ما وصفه بـ “زعزعة الاستقرار والفوضى” في أعقاب الانسحاب الاميركي. وفي يوم الاثنين 11 شباط سافر وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” الى انقرة على أمل حل تلك الخلافات، ولكن زيارته فشلت في احراز اي حلحلة حقيقية في الموقف، كما علمت الاندبندنت.
ثمة تباين جذري ايضاً في المواقف بين انقرة من جانب وموسكو وطهران من الجانب الاخر بخصوص مستقبل الشمال الغربي من سوريا، الواقع حالياً تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة جهادية كانت متحالفة في السابق مع القاعدة.
تخالف تركيا إيران الرأي ايضاً بشأن مستقبل القيادة في دمشق، حيث تسعى أنقرة الى تحول يبتعد عن الرئيس بشار الاسد في حين تقف طهران وموسكو بصلابة خلف نظام بشار الاسد.
وإذ ترى روسيا في الانسحاب المنتظر للقوات الاميركية سبباً لإحكام قبضتها على دمشق، فإن إيران هي الاخرى ترى فيه سبيلاً لمد نفوذها غرباً كي تتمكن من وضع اسلحتها وعناصر من حلفائها بمواجهة اسرائيل.
إن تكن المحادثات قد حققت أي تقدم يذكر بعد هذا فمن المحتمل ان يكون ذلك بخصوص الاطراف التي ستشارك في اللجنة الدستورية ما بعد الحرب بوساطة الامم المتحدة، كما يقول “يوري بارمن” وهو خبير من مجلس الشؤون الدولية الروسية. يقول بارمن: “نظراً للصعوبات الماثلة في اماكن اخرى تحرص موسكو على ان ترى الاسماء مكتوبة على الورق.” بغض النظر عما سيجري هناك سوف تسعى روسيا لاستغلال مؤتمر سوشي كي تؤكد دورها كصانع صفقات في المنطقة وأنها القوة الوحيدة في العالم القادرة على احتواء إيران. يقول بارمن: “قد يحظى مؤتمر القمة في بولندا بتغطية اعلامية جيدة وبتعليقات غامضة من نتانياهو، ولكنه حدث ضعيف موضوعياً نظراً لغياب تركيا وإيران، وكذلك بحكم ان موسكو هي التي تحاور هذين الطرفين.” يقول “هارون شتاين” المختص بشؤون الشرق الاوسط في معهد بحوث السياسة الخارجية: “يبدو ان لكل من المؤتمرين مشاكله. ففي وارشو لدينا مؤتمر بلا أجندة، وغياب الاجندة يعني غياب الاتفاق وعندما يغيب الاتفاق تنعدم الرغبة الدبلوماسية لبلوغ الاهداف. أما في سوشي فلدينا أجندة مشتركة لحل مشكلة الحرب الاهلية السورية، ولكن الخلاف قائم بشأن فقرات تلك الاجندة”.
وقائع سرية
تفاخرت وزارة الخارجية البولندية بأن أكثر من 60 دولة قد بعثت ممثلين عنها الى المؤتمر، ولكن العديد من الدول الاوروبية لم ترسل أكثر من دبلوماسيين صغار أو موظفين مدنيين بمستوى مدوني ملاحظات. أحيطت وقائع المؤتمر بالسرية كما لم تعلن قائمة بأسماء المشاركين، ولو أن دول شبه الجزيرة العربية كلها ارسلت وزراء
خارجيتها.
طالب بنس الدول الاوروبية بالتخلي عن اتفاقية العام 2015 النووية التي وقعها مع إيران الرئيس الاميركي السابق “باراك أوباما” وزعماء الدول الكبرى الاخرى في العالم، كما شجب الاعلان الاخير من قبل الاتحاد الاوروبي عن آلية مالية تمكن من استمرار التعاملات التجارية مع إيران. ولكن الذي حدث هو أنه حتى المسؤولين البولنديين الذين حضروا الجلسات، آملين أن تقرّ الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية أميركية دائمة عندهم، أعلنوا تأييدهم للصفقة النووية.
تواصل الولايات المتحدة ادعاءها بأن إيران هي مفتاح الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، في حين يتبنى العديد من حلفاء واشنطن القدامى موقفاً اكثر تلطفاً تجاه طهران والمنطقة.
إن تكن كلمة بنس قد تضمنت ادعاءات عديدة بأن دعم إيران للنظام في سوريا يجعلها من الناحية الاخلاقية شريكاً له في الكارثة الانسانية التي حلت بذلك البلد، فإن الحقائق على الارض تكشف عن ان الازمات الانسانية في العراق واليمن كانت الى حد كبير من ثمرات العمليات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة وأوثق حلفائها هناك.
الولايات المتحدة نفسها منقسمة بعمق بشأن السياسة في الشرق الاوسط. فقبل ساعات فقط من توجيه السيد بنس لومه الى إيران في أزمة اليمن صوت الكونغرس الاميركي على نزع الدعم الاميركي عن الهجوم الذي تقوده السعودية ضد مقاتلي الحوثي المدعومين من إيران والمسيطرين على العاصمة اليمنية.
كذلك لا يخفي كثير من الباحثين والدبلوماسيين تشككهم بخصوص تماسك السياسة الاميركية. فإدارة ترامب تواصل ادعاءاتها بأنها تنوي التصدي لإيران ولكنها في الوقت نفسه تعلن عن رغبتها في الانسحاب من سوريا وأفغانستان. في اثناء ذلك تبقى القوات التي تدعمها إيران، ومنها حزب الله اللبناني العالي التدريب، في أماكنها
كما هي.
رغم تمسك الولايات المتحدة بتشديد العقوبات على إيران والشركات العالمية نجد أن روسيا والصين والعراق، وهم المنافذ الاقتصادية الاساسية لإيران، قد رفضوا الدعوات التي وجهت اليهم لحضور المؤتمر. ورغم التهليل الذي احيطت به لقاءات نتانياهو بوزراء الخارجية العرب باعتبارها حدثاً تاريخياً يصف المعلقون في اسرائيل مؤتمر القمة بأنه ليس أكثر من مناسبة لالتقاط الصور التذكارية من قبل رئيس وزراء تكتنفه الفضائح من اجل تجميل حملته الانتخابية استباقاً للانتخابات العامة في شهر آذار
المقبل.
في اشارة أخرى، قد لا تكون مقصودة، على تقاطع الاجندات أوردت بعض التقارير أن السعودية فرضت مقاطعة على صادرات اللحوم البولندية خلال فترة انعقاد المؤتمر، الأمر الذي أثار استنكار البولنديين.
عن صحيفة الاندبندنت