ثنائيّة المواهب والمناصب

آراء 2021/06/12
...

  حسين الصدر 
حين يصل التردي والفساد في البلاد الى درجة بيع المناصب العليا، تعن الحاجة الى تسليط الأضواء على هذا الأمر الخطير والمثير للغاية، ذلك أن لهاث الراكضين وراء المناصب في ازدياد، وعمليات انتشار الفساد تشبه تماماً انتشار الخلايا السرطانية الفظيع في الجسد المصاب! . لا نذيع سراً اذا قلنا: إن المنصب – ومهما علا – ليست له قيمة ذاتيّة بمعزل عن الخدمات التي يقدمها للدين والشعب والوطن.
فهو اذن وسيلة لا غاية. والراكضون وراء المناصب يرونه غاية لتحقيق مآربهم ومصالحهم، وليس وسيلة للاصلاح والنفع العام للبلاد والعباد.
 
- 1 - 
وأصحابُ المواهب والمَلَكَات والبراعة العلمية والفكرية والأدبية يأْنَفُونَ من الركض وراء المناصب، لأنهم يرون أنفسهم أعلى منزلةً واشمخ مكانةً، وأوسع أفقا من أعلى المناصب فضلاً عن أوسطها 
وأدناها!.
في حين أنَّ الراكضين وراءَ المناصب يُريدون أنْ يصلوا عن طريقها الى البروز على المسرح السياسي والاجتماعي بقوّة، وكأنهم القمم السامقة والرموز الكبرى للبلاد!.
جاء في التاريخ القديم انّ منصباً رفيعاً عُرض على أحد الأعلام فَرَفَضَ قَبولَه وحين سئل عن السبب قال:
«أخشى ذُلَّ العَزْل»
وفي هذا اشارة واضحة الى أنّ عُمَرَ المناصبِ قصير، فسرعان ما تزول وتتبدل..
أَلَمْ تسمعْ بالمقولة الشهيرة «لو دامت لغيرك ما وصلت اليك»؟
اي أنّ السلطة لا تدوم لأحد...
وكما قال ربُّ العزّة - جلت آلاؤه في محكم كتابه:
«وتلك الأيام نداولها بَيْنَ الناس» 
آل عمران/ 140 
 
- 2 - 
ومن هنا:
لا تجد مفكراً ولا عالِماً ولا أديباً مَرْمُوقاً ولا قامةً معرفية بارزة، تقدّمُ الى الجمهور أو على شاشة احدى الفضائيات بأنها المفكر السابق، أو الأديب البارز الاسبق، حيث لا سابق ولا أسبق، بل حضورٌ متألِقٌ لكل المتسمين بسمات الفكر والعلم والمعرفة والثقافة 
والأدب...
انهم لا يفقدون شيئا من خصائصهم على الاطلاق..
في حين أنَّ أصحاب المناصب سرعان ما يفقدون مناصبهم فيشار الى ما كانوا يتبوؤونه من مناصب في غابر ايامهم!.
والفرق بين الحالتين كبير للغاية.
 
- 3 - 
إنّ المعطيات الموضوعية تدفع باتجاه وَضْع الرجلِ المُناسب في المكانِ المناسب، في حين انّ معادلات المحاصصة المَقيتة، وأسعار المناصب في البورصة المنكرة أدّتْ الى فوضى عارمة دفع ثَمَنَها المواطنون، العراقيون عناءً وشقاءً، فجاء تسلسلهم في مؤخر السعداء من مواطني الدول حَسَبَ الاحصاءات الدولية، ودفع ثمنها الوطن الذي تناهبَ خيراته قراصنة الفساد والأفساد، ومع كل هذا الواقع المرير، فاننا لا نقنط ولا نيأس بل الأمل معقود على شبابنا الناهض- وهم الكتلة الاكبر- في مواصلةِ العمل الدؤوب الجاد للوصول الى مرافئ الخلاص والسلامة والاستقرار وانقاذ الوطن الحبيب من براثن الفساد والمفسدين.