ماراوي والموصل وكوباني.. تحلم بمستقبل ما بعد {داعش}

بانوراما 2019/02/17
...

جاستن هيغنبوتوم ترجمة: ليندا أدور
 
 
 
 
لقد دمر داعش الكثير من ماضيها، فكيف يمكن لإعادة إعمار المدن، تلك، أن يحدد مستقبلها؟
درس فيلينو جون بالافوكس، مهندس معماري، التصميم بجامعة هارفارد في سنوات ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، عندما كان التخطيط للكوارث يشغل أذهان الجميع. اليوم، يريد جون أن ينقل تلك الدروس التي استقاها في أعقاب الأرهاب في مانهاتن الى ماراوي، تلك المدينة في بلده الأم الفلبين، التي رزحت تحت معاناة نزاع امتد لشهور بين تنظيم داعش والقوات المسلحة الفلبينية حتى نهايته سنة 2017. لا يريد جون إعادة إعمار ما دُمر فحسب، بل “أن تكون أذكى، وأكثر استدامة وأقرب صديقا للبيئة، وأكثر ملاءمة للمشي، وللدراجات” يقول جون معبرا عن الاحتمالات التي يحلم بها لمستقبل ماراوي.
 
إعادة توطين
ليس جون وحده، ولا ماراوي وحدها، فبعد شهور، وفي بعض الحالات، ربما سنوات، من الحصار والحرب ضد تنظيم داعش، تحولت مراكز حضرية كبرى بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا الى ركام. فعلى سبيل المثال، ما تبقى من ماراوي هو فقط شارع تلو آخر من الخرسانة المثقبة. اليوم، وبعد استعادتها من قبضة التنظيم، تشهد الكثير من تلك المدن أولى شرارات إعادة إعمارها، وفي مدينة بعد أخرى، يحاول السكان والمراقبون والوكالات الدولية والمصممون، محاربة التخطيط القصير النظر، وخلق مساحات حضرية جديدة، لا تخاطب الاهتمامات الانسانية فحسب، وإنما تتعداها الى حماية معالمها، والاسهام في محاربة التطرف المستقبلي وتسهيل التنمية الاقتصادية.
فازت المهندسة المعمارية، أنا أوتليك، بجائزة رفعت الجادرجي للعام 2017، وهي المسابقة المعمارية العراقية الأولى في هذا المجال، عن مشروعها “إعادة توطين”، الذي ابتدعته من أجل تشجيع التصميم المرن لمدينة الموصل، حيث أتاحت أوتليك عبر خطتها للسكان المحليين تصميم شكل وحجم مساكنهم بأنفسهم، باستخدام خطة معيارية الى جانب الأنقاض والطين (تلك الاشياء التي لا تعاني من قلة الامداد) كمواد للبناء. كما عرض معماري آخر شارك في ذات المسابقة، خطة تظهر جسورا ضخمة تضم بداخلها حقولا ومباني حضرية تمتد عبر نهر دجلة، أشبه ما تكون بجنائن بابل المعلقة.
 
نقطة الانفجار
في ماراوي، يرغب جون ببناء أحياء بتصميم معماري أكثر انفتاحا من المنازل المتعددة الأسر في مجمعات محاطة بجدران مرتفعة وسميكة، لطالما كانت المهيمنة على منظر المدينة ، التي أسسها الاسبان قبل ما يقرب من 400 سنة مضت. 
يعد هذا المقترح جزءا من خطة رئيسة عرضها على الحكومة الفلبينية لاعمار المدينة المطلة على بحيرة لاناو، فمن بين الأفكار التي تضمنتها خطته، انشاء أرصفة مشاة واسعة ومضاءة بدلا من الأزقة المظلمة والمعقدة، مع مرافق أفضل تصميما لمنع حدوث اضطرابات، إحداث تنمية اقتصادية قرب البحيرة بهدف جذب المستثمرين والوظائف، الى جانب اتخاذ مسقط شاقولي (نقطة انفجار) كموقع لنصب تذكاري على الحرب.
وفي كوباني، شمال غرب سوريا، تنشئ الحكومة المحلية بنى تحتية قد تبدو أساسية لكنها غير موجودة، حتى قبيل سيطرة داعش عليها لمدة ستة أشهر للفترة ما بين أيلول 2014 وآذار 2015. 
قبل الحرب، تجاهلت الحكومة تطوير المدينة ذات الغالبية الكردية، أما اليوم، تعمل الحكومة على بناء المدارس ومشاريع الصرف الصحي والمياه وغيرها، فضلا عن إنشاء مركز للمرأة لتوفير فرص العمل والدراسة.
 
حلول عقيمة
أما في الموصل، فحلول التصميم التي قدمتها أوتليك وآخرون، تبدو عقيمة ولا معنى لدى معظم السكان الذين يكافحون من أجل تأمين مأوى أساسي. يقول دلشاد علي، من منظمة الاغاثة الاسلامية: “سيكونون محظوظين ان تمكنوا من استعادة مدينتهم كسابق عهدها” فعمليات إعادة الاعمار تسير ببطء، ففي الوقت الذي يعمل علي مع منظمته لاستعادة المرافق الاساسية للمنطقة، ينتظر سكانها حصولهم على التعويضات، بالرغم من أنه يرجح عدم وصول تلك الاموال، فالحكومة لا تفصح عن ذلك، لكنها تبقي على آمال السكان في ذلك، “السياسيون يتلاعبون بالسكان، ففي الحقيقة،
لا توجد أموال لذلك”، يقول علي.
نجح مؤتمر الدول المانحة لاعادة اعمار العراق الذي عقد في الكويت العام الماضي بجمع تعهدات وصلت أقيامها الى نحو 30 مليار دولار فقط، وهو مبلغ يقل بكثير عن 86 مليار دولار كانت الحكومة العراقية قد طلبتها. لكن الجانب المضيء من الموضوع، هو اعلان منظمة اليونسكو عن خططها لتولي اعمال إستعادة معالم الموصل، غير إن علي يحذر من قلة فرص العمل والافتقار الى الخدمات الأساسية، فضلا عن عامل الوقت كعنصر هام، اذ يضطر السكان الى العيش داخل منازلهم المدمرة كي لا يعودوا الى مخيمات اللجوء، وان لم يحصلوا على الأموال الكافية لاعادة البناء، سيكون ذلك سببا بخلق حالة من الاستياء والامتعاض من الحكومة.
لم تكن قضية التمويل بعيدة عن كوباني، اذ يمثل تحديا هو الآخر، كونها منطقة تتمتع بحكم ذاتي، فالأمر متروك للشركات المحلية والحكومة الجديدة أن تقرر كيف وما الذي سيعاد بناؤه. لكن هؤلاء المصممين والمنظمات والسكان، والحكومات المحلية، في حالات ككوباني، يصارعون الصعاب، فلا خيار أمامها سوى أعادة البناء من جديد. 
زيارة الى الموصل في شهر تشرين الأول الماضي، أصابت علي بصدمة، فالحرب قد انتهت، لكن الدمار لا يزال شاخصا، “لا تزال تعيش في أوضاع مريعة” يقول علي مشيرا ألى أن المدينة القديمة، حيث دارت الحرب الأعنف، الكثير من شوارعها منازلها مدمرة بنسبة 90 بالمئة. في ماراوي، تعاقد جون على إنشاء منازل سكنية بتصاميم استوحاها من العمارة الاسلامية التقليدية للمدينة، مستخدما ابتكارات من شأنها خلق مرونة كافية مع نمو الأسر. هي مدن جرحى ومصابة، تستعد لتحلق من جديد.