ترجمة: بهاء سلمان فرانك غاردنر
فقدت عصابات {داعش} الاجرامية دولة خلافتها القصيرة الأمد في الشرق الأوسط، مع بقاء مئات، وربما آلاف، من مسلحيها عالقين بلا استقرار، ساعين للعودة الى أوطانهم، رغم المخاوف من تعرّضهم للاعتقال أو السجن.
ومع ذلك، فان قصة أعمال العنف {الجهادية} ، اذا صح التعبير، حيث يهاجم المتطرفون اولئك الذين يعتقدون انهم أعداء الاسلام، لم تنته، فالاعتداء الارهابي الذي حصل على فندق نيروبي في منتصف الشهر الماضي من قبل تنظيم {حركة الشباب} التابع لتنظيم القاعدة كان تذكيرا بتلك المحنة.
كما أن مساحات واسعة من شمال غرب أفريقيا معرّضة حاليا لاعتداءات ارهابية؛ وتبقى الصومال واليمن وأفغانستان ملاذات مثالية للارهابيين. بالتالي، أين يكمن النداء الدائم للأعمال الارهابية لاشخاص محددين حول العالم؟
يعد القرار الخاص بترك حياة طبيعية يسيّرها القانون، مع هجر العائلة والأحباء غالبا للشروع بما يعرف كونه أحيانا وظيفة قصيرة الأمد وخطرة للغاية أمرا شخصيا. ويتلاعب مجندو الارهابيين على فكرة الضحية والفداء ويحشدونها لغاية عليا لديهم مستغلا اسم الدين.
وعلى امتداد العشرين سنة الماضية حتى الآن، كان الانترنت يعج بمقاطع مرئية ترويجية بشعة، يصوّر بعضها معاناة جماعية للمسلمين عبر أجزاء متفرقة من العالم، وأخرى تنقل الاعتداءات والعقوبات الانتقامية المنفذة ضد أعداء تم تصوّرهم.
هذا الأمر يخدم هدفين، يراد بالأول اثارة التعاطف وحتى مشاعر النقمة من العار، حيث يكون المشاهد ناظرا لمحتويات حاسوبه المحمول من مشاهد ويدقق ما يحصل وهو مرتاح داخل منزله وتشحنه عبارات من قبيل، “بينما إخوانكم واخواتكم يتم تقتيلهم،”... لنقول في سوريا أو الشيشان أو الأراضي
الفلسطينية.
ثانيا، تروق المقاطع المرئية للانتقام بشكل خاص للأشخاص ذوي الطبيعة السادية، جاذبة على الأغلب أصحاب السجلات الجنائية العنيفة والسوابق الاجرامية.
ويمكن للضغط الانفرادي أن يمثل الشرارة التي تقلب فردا ما من كونه غاضبا ومتعاطفا ببساطة حيال أحداث تجري في العالم الى
ارتكاب أعمال عنف.
تجنيد مبرمج
التقيت في الأردن بمتهم يمضي فترة السجن كان قد تم اقناعه من قبل أقرب أصدقائه من المدرسة للالتحاق به والذهاب الى سوريا للقتال لصالح “داعش”، والتحق به بالفعل، ومن ثم ندم على ذلك، ليهرب عائدا الى الأردن وبعدها حكم عليه بالسجن خمس سنوات.
الأفراد المعرّضون على وجه الخصوص للتجنيد هم من الفتيان والفتيات الذين نشأوا وكبروا بعيدا عن عوائلهم ومجتمعاتهم، فبالنسبة لهم، يبدو الانتماء الى منظمات سرية وغير قانونية يعطيهم تقييما بأنها يمكن أن تمثل بديلا جاذبا لهم، حتى لو ينتهي المطاف بهم الى مرحلة ابلاغهم بارتداء حزام ناسف وتفجير أنفسهم وسط الأسواق المكتظة بالناس.
هناك أسباب وراء كون منطقة الشرق الأوسط ولمدة طويلة تمثل مصدرا أساسيا للارهاب العالمي، فالأنظمة الفاسدة وغير الديمقراطية، والقمعية غالبا، تميل الى اخماد المعارضة السياسية السلمية؛ فمع بداية القرن الحالي، كانت سوريا وغيرها المثال الأكثر وضوحا لهذه الحالة.
وبعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية، وتحقيق الدولة السورية انتصارا كبيرا ضد المتمردين، أصبح عدد ضخم من السجناء مصدرا للتجنيد بالنسبة للتنظيمات الارهابية.
في العراق، البلد الذي انقلبت فيه الأحوال بأثر الغزو الأميركي سنة 2003، لعب التأجيج الطائفي دورا كبيرا لبروز تنظيم القاعدة، ومن بعده عصابات “داعش” التي قدمت نفسها ممثلا للمتشددين دينيا، على أنها الجهة الحامية للسنة العراقيين”، وتمكنت بسهولة من الاستيلاء على الكثير من أجزاء البلاد، ويتكهّن العديد من الباحثين بشكل واسع بأن هذه العصابات الاجرامية تتطلع الى استغلال أية شكاوى مشابهة مستقبلا للظهور ومجددا.
وتضم اليمن وافغانستان والصومال مناطق شاسعة غير مسيطر عليها، أو مناطق مزقتها الصراعات حيث تمكنت الجماعات المتشددة من التجنيد والتدريب والتخطيط للهجمات وينطبق الأمر على منطقة دول الساحل الأفريقي، التي تشمل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وحتى تشاد.
ولم تنجح مليارات الدولارات المقدمة كمساعدات دولية لأفغانستان بتقديم مستوى حكم مطلوب لايقاف التمرد الذي تقوده حركة طالبان، كما استوطن الفساد هناك، فيم ينظر الى جهاز الشرطة بوصفه غير جدير بالثقة.
نقاط ضعف
وتقول مجموعة الأزمات الدولية :إن مؤسسات الدولة الموجودة ضعيفة للغاية، وهي عاجزة عن “تقديم الخدمات الاساسية لغالبية السكان”؛ وبفضل العديد من سكان المناطق النائية والريفية الأفغانية الحكم الشديد القسوة الذي تفرضه طالبان على الحكومة المركزية.
وتجتمع حالات الفقر المدقع وغياب فرص العمل والحكم الضعيف جميعا على جعل دول الساحل الأفريقي المتاخمة لدول جنوب الصحراء الكبرى أرضا خصبة للمجاميع الارهابية، والعديد من المجندين انضموا اليها، ليس بدافع العقيدة الآيديولوجية، لكن ببساطة لأنهم يرون فيه البديل الوحيد لحالة الفقر المدقع. وكانت العناصر المكلفة بتجنيد أفراد لصالح الجماعات المتشددة مثل، القاعدة وداعش وطالبان، تستغل، وما زالت، حالة الطاعة الدينية لجذب الشباب والشابات الى صفوفهم.
وتقول خبيرة التطرّف “ايرين سالتمان” ان المجاميع الارهابية تروّج غالبا “قصة كفاح وتضحيات بطولية والتزامات روحانية لأجل تأسيس الشرعية والاتصال مع المجندين المحتملين.”
ولوحظ ان المبرر لتنفيذ حركة الشباب لاعتدائها على أحد فنادق نيروبي ظهر كأنه رد على قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأميركية الى اسرائيل من تل أبيب الى القدس، ثالث أكثر مركز مقدّس لدى الاسلام بعد مكة والمدينة. وكانت القدس تمثل المحك العاطفي للكثيرين في الشرق الأوسط، وربما كانت حركة الشباب تسعى لتوسيع ندائها الى أبعد من الصومال.
ويرجح ان الايديولوجية الواقفة خلف أعمال العنف “الجهادية” ستستمر بالحياة الى زمن مفتوح، رغم عدم مساهمة الغالبية العظمى للمسلمين المسالمين حول العالم معها. وبقي تنظيم القاعدة مستمرا بعد وفاة أسامة بن لادن، وما زالت لديه سطوة عبر آسيا وأفريقيا، كما لا زال “داعش” يمتلك أتباعا، وبضمنهم بريطانيون، رغم عدم امتلاكه حاليا أراضي يقيم فيها سلطته، وربما سيعاني كثيرا لجذب مجندين بأعداد كبيرة.
على المستوى العالمي، سوف يستلزم احتواء وتحجيم أعمال العنف الجهادية أكثر من مجرّد قدرات استخباراتية جيدة وعمل بوليسي، فهو يتطلّب نموذج حكم أكثر عدالة بكثير، وازالة العوامل التي تدفع الناس باتجاه العنف الذي يدمر أرواح الكثير والكثير من الناس.