ترامب يهدد الأوروبيين بإطلاق سراح الإرهابيين المعتقلين في سوريا
قضايا عربية ودولية
2019/02/17
+A
-A
عواصم / وكالات ترجمة: انيس الصفار
يحذر رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي 6” من أن “داعش” سوف تبقى تمثل تهديداً فعالاً رغم الهزيمة التي توشك أن تحل بها في آخر جيب باق لها من خلافتها. فهذه الجماعة الارهابية ستحاول مواصلة هجماتها الوحشية داخل بريطانيا وفي أماكن أخرى من العالم الغربي.
في خضم الجدل الدائر بشأن “شميمة بيغام”، وهي الفتاة التي فرّت الى سوريا للالتحاق بتنظيم “داعش” الارهابي قبل اربع سنوات حين كان عمرها 15 عاماً وتريد الآن العودة الى بريطانيا، يمضي “أليكس يونغر” موضحاً أن “المتطرفين” الغربيين العائدين من منطقة الشرق الاوسط يشكلون مصدر قلق بالغ.
في حديثه مع الصحافة بمناسبة حضوره مؤتمر ميونخ السنوي للأمن قال السيد يونغر أن أفراد “داعش” العائدين الى بلدانهم يمكن أن يكونوا شديدي الخطر. وعندما سئل عن التهديدات الامنية التي يمكن ان تتعرض لها بريطانيا جراء عودة مقاتلي “داعش” الارهابيين وعرائس الجهاد قال: “نحن نشعر بأقصى القلق ازاء هذا الأمر لأن جميع التجارب تنبئنا أن مجرد تواجد الاشخاص في اوضاع مثل تلك يرفع احتمال اكتسابهم مهارات خاصة وارتباطات معينة بدرجة كبيرة، وبذا يصبحون من أشد مصادر التهديد مستقبلاً”.
يمضي يونغر مستطرداً أن هؤلاء الاشخاص قد خبروا التطرف بأقصى ذروته ما يشكل حقيقة يجب أن نعطيها الأولوية في أذهاننا. لذلك علينا ان نضع سلامة الناس في المقام الاول من اعتبارنا حين نتصدى لهذه المشكلة الشديدة التعقيد والصعوبة باعتراف الجميع.
في حديثه عن ستراتيجية التعامل مع العائدين قال يونغر: “حاملو الجنسية البريطانية مسموح لهم بالعودة الى بريطانيا، وهذا شيء مقلق. فحين يعود شخص لديه مثل هذه الخلفية الى بريطانيا سيقتضي الأمر بذل قدر جسيم من الموارد والامكانيات لضمان عدم تحوله الى مصدر تهديد لعامة الناس”.
يحذر يونغر بشدة من الاستسلام لمشاعر البهجة بالنصر قائلا: “الفكر لا يقضى عليه بالقوة العسكرية، فالارهاب الان يعيد تنظيم صفوفه عائداً الى حالته الأولى كمنظمة ارهابية متعددة الجنسيات تقاتل بأساليب الحرب غير المتناظرة، لهذا السبب نرى “داعش” تتحول شكلاً ثم تنتشر. ومعنى هذا أن علينا تنظيم أنفسنا لضمان التمكن من التعامل معها، وهذه مهمة سبق أن عهدناها لأنها نسخة تقليدية من التنظيمات الارهابية الاخرى.”
مبيناً أن امتلاك رقعة من الارض يعني تمكين الجماعة الارهابية من تجنيد مزيد من الارهابيين واستخدام الارض لتأسيس بنى تحتية ارهابية ويعزز قدرة الارهابيين على جمع الاموال. والتحضير لتهديدات مباشرة ضد الغرب.
ولدى سؤاله عن التبعات المحتملة لإعلان ترامب عن نيته سحب قواته من سوريا وافغانستان اجاب رئيس جهاز الاستخبارات: “هذه التنظيمات تستغل أساساً اي فشل سياسي يقع، وهم يستغلون اي فسحة لا تخضع لسلطة أحد لتنظيم انفسهم والتمدد. أود أن اشير هنا ببساطة الى ان هذه ليست مشكلة جديدة علينا، لانها في جوهرها الخطر الارهابي ذاته الذي نواجهه منذ التسعينيات. لدينا مفتاحان أساسيان للتعامل هنا، الأول هو التمكن من اختراق تلك التنظيمات الارهابية ، اما المفتاح الثاني فهو التمكن من اتخاذ اجراء بالتعاون مع شركائنا للتعامل مع ما نتوصل اليه بأساليب تتفق مع قوانينا وقيمنا.”
موقف اميركي
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إن عدم السماح بعودة المئات من عناصر داعش الأوروبيين إلى بلادهم له تبعات خطيرة قد تضطر واشنطن لإطلاق سراحهم.
وطالب ترامب عبر تغريدة نشرها في “تويتر” بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولا أوروبية أخرى بالسماح بعودة أكثر من 800 عنصر من “داعش” الارهابي يحملون جنسيات أوروبية اعتقلوا في سوريا ولفت إلى أن الخلافة المزعومة التي أعلنها تنظيم “داعش” الارهابي على وشك السقوط، وأضاف ترامب في تغريدته أن بلاده لا تريد أن تقف وتشاهد الارهابيين المعتقلين في سوريا يتغلغلون في أوروبا التي من المتوقع أن يذهبوا إليها إذا أطلق سراحهم.
وذكر ما يسمى بـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن نحو 200 عنصر من التنظيم سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية ضمن “صفقة غير معلنة”، نصت على استسلام 440 داعشيا على دفعتين الأولى تشمل 240 والثانية 200 معظمهم من جنسيات أجنبية، تزامنا مع التحضير الأميركي للإعلان عن تطهير كامل الضفاف الشرقية للفرات من الدواعش.
وكانت الإدارة الأميركية قد دعت الدول لاستعادة المئات من عناصر التنظيم الإرهابي المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا لمحاكمتهم، وعرضت المساعدة على الدول التي تريد استعادة المتطرفين من مواطنيها وعوائلهم.
وتتخوف معظم الدول الأوروبية من عودة مواطنيها “الدواعش” إلى بلادهم بأفكارهم المتطرفة، ولا يزال مصيرهم يشكل نقطة خلاف سياسي وأمني في أوروبا.
بيان تونسي
بادرت بعض الدول لبيان موقفها من عودة المتطرفين من بؤر التوتر، اذ قال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس مختار بن نصر إن تسلّم تونس للمسلحين العائدين من بؤر التوتر هو موقف اتخذ منذ فترة على أن يكون القضاء هو الفيصل في تقرير مصيرهم.
وأوضح بن نصر في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن عودة تلك الفئة من بؤر التوتر إلى تونس موضوع طرح من قبل، مؤكدا على أن كل عائد من مناطق الصراع قبض عليه أو تسلمته الدولة عبر قنواتها الرسمية سيحال إلى القضاء لتقرير مصيره عبر إيداعه السجن أو دمجه في المجتمع بفرض الإقامة الجبرية عليه أو المراقبة الإدارية.
وأشار مختار بن نصر إلى أن الأفراد الذين عادوا مؤخرا كانت تونس قد طالبت بهم في إطار وجود قضايا إرهابية مرفوعة ضدهم.
وبخصوص العدد الإجمالي لهؤلاء المسلحين، صرح بن نصر بأنه لا يمكن ضبط العدد لكنه حسب التقديرات في حدود 3000 شخص قتل البعض منهم أثناء المعارك في بؤر التوتر، وفر آخرون إلى أماكن أخرى في إفريقيا بحثا عن ملاذات آمنة بدل السجون.
وأعلن الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السليطي أن النيابة العامة أصدرت قرارا بإيداع 4 أشخاص تسلمتهم تونس منذ أسبوعين مصنفين بـ”الخطيرين جدا” السجن.
وقال سفيان السليطي إنه تم ترحيل هؤلاء المسلحين من بؤر التوتر، مؤكدا أنهم أدلوا بمعلومات هامة خلال التحقيق معهم من بينها كيفية نقلهم إلى تلك المناطق.
موقف روسي
بدورها اعلنت روسيا التي شكل مواطنوها واحدة من مجموعات المقاتلين في تنظيم”داعش” الارهابي في سوريا، منذ فترة طويلة لإعادة أبناء المتطرفين وفي بعض الأحيان زوجاتهم.
ونظمت روسيا أولى عمليات الإعادة الجماعية هذه قبل أكثر من عام، كما حطت الدفعة الأخيرة مطلع شباط الجاري في مطار رامينسكوي القريب من موسكو، ونزل منها أمام عدسات المصورين 27 طفلا مازالت أمهاتهم معتقلات في السجون بتهمة الانتماء إلى تنظيمات ارهابية.
وقالت خدا ساراتوفا وهي واحدة من مستشارات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف المكلفات بهذه المهمة “إنهم يذهبون إلى المدرسة ودار الحضانة”، موضحة أن “متطوعين يعملون معهم ويناقشونهم بما عاشوه ويفسرون لهم كيف تمت تعبئتهم عقائديا”.
تورد السلطات الروسية أرقاما متضاربة في بعض الأحيان عن هؤلاء العائدين. لكن ساراتوفا تقول إن مئتي امرأة وطفل على الأقل أعيدوا، بينما ما زال حوالى 1400 طفل عالقين هناك.
ورمضان قديروف المدعوم من الكرملين، مكلف من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة النساء والأطفال وفي بعض الأحيان متطرفين نادمين ظهروا مرات عدة على شاشات التلفزيون إلى جانبهم.
وقال قديروف في رسالة على موقع “تلغرام” إن “النساء والأطفال يجب أن تتم إعادتهم إلى روسيا، والمذنبين يجب أن يحاكموا على أفعالهم بموجب القانون الروسي”، مؤكدا أن “الأطفال أبرياء ولم يسألهم أحد أين يريدون أن يولدوا”.
قلق فرنسي من الدواعش العائدين
فيما يساور القلق الحكومة الفرنسية هذه الأيام بشأن موضوع الدواعش الفرنسيين الموجودين في بؤر الصراعات، وتجد ان قضية الدواعش العائدين لا تقف عند المحاكمة والاعتقال، بقدر ما ترتبط بتداعياتها على المستقبل.
وخلال الأسبوع الماضي دافع وزير الداخلية الفرنسي كريستوفر كاسانر عن ترحيل المتطرفين الفرنسيين إلى بلادهم، مبررا ذلك بالقول بأنهم “فرنسيون أولا قبل أن يكونوا متطرفين”، وقال إن هؤلاء العائدين سيتم إيداعهم السجن المؤقت فور دخولهم فرنسا، على أن يتم تقديمهم للمحاكمة بعد ذلك. نفس الموقف تبناه الناطق باسم “وزارة أوروبا والشؤون الخارجية”، حيث أشار إلى أنه في ظل سحب القوات الأميركية من سوريا وحالة الفوضى المنتشرة في البلاد وغياب الاستقرار فإن “الحكومة الفرنسية تخشى من فقدان أثر مواطنيها هناك”، لذا تفضل ترحيلهم إلى فرنسا من أجل محاكمتهم، باعتبار أنهم لا يزالون يشكلون خطرا على الأمن الداخلي الفرنسي.
ولا تقف قضية الدواعش العائدين عند المحاكمة والاعتقال، بقدر ما ترتبط بتداعياتها على المستقبل، فبين هؤلاء العائدين أو المرشحين للعودة يوجد العشرات من القاصرين، ويقدر عدد الموجودين داخل فرنسا اليوم بثمانية وستين قاصرا، بينما يقدر عدد الذين لا يزالون في بؤر التوتر بنحو 500 عنصر.
مواقف مغربية جزائرية
في السياق نفسه تعمل السلطات المغربية على إيقاف وملاحقة المتطرفين العائدين والذين يواجهون عقوبات تتراوح ما بين 10 و15 سنة سجنا بمقتضى قانون تم إقراره سنة 2015.
وقال مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية عبدالحق خيام إن عودة هؤلاء إلى بلادهم “تشكل خطرا حقيقيا”. وقدر تعداد المغاربة المقاتلين في صفوف هذا التنظيمات الارهابية بأكثر من 1600 فرد حسب حصيلة رسمية سنة 2015.
وأوضح أن “أكثر من 200 من بين هؤلاء المتطرفين عادوا إلى المغرب وتمّ توقيفهم وتقديمهم للعدالة”.
اما الجزائر، فقد شهدت الجارة الشرقية للمغرب، هي الأخرى انتقال متطرفين للقتال مع الجماعات الارهابية، لكن مصدرا أمنيا يؤكد أنهم “أقل بكثير” مقارنة مع المتحدرين من المغرب وتونس، دون توفر أي معطيات حول عددهم أو عدد العائدين المحتملين من بينهم. ويوجد من بينهم جزائريون يحملون أيضا جنسيات أخرى.
ويوضح المصدر أن “السلطات لا تعمل على استعادتهم”، مؤكدا أن “السجن مصير من يحاول منهم العودة” إلى الجزائر.
وتفسر أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر لويزا إدريس آيت حمدوش انخفاض عدد المتطرفين الجزائريين المقاتلين في بؤر توتر خارج البلد بـ”الإجراءات الوقائية الاستباقية التي اتخذتها السلطات الجزائرية لمواجهة الخلايا التي يمكن أن ترسل مقاتلين إلى الخارج”، مثل “الإبقاء على نظام تأشيرات للسفر نحو البلدان التي يمكن أن يعبر منها هؤلاء ، بالرغم مطالبة الفاعلين الاقتصاديين بإلغاء هذه التأشيرات”، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها الشبكات الإرهابية في تجنيد مقاتلين بالجزائر بفعل سياسة مكافحة الإرهاب.
*كيم سانغوبتا/ الاندبندنت