إشكالية البحث العلمي ومتطلبات التنمية في العراق

آراء 2021/06/19
...

 أ.د. عبد الواحد مشعل
 
يرتبط أي نجاح في التنمية البشرية في أي مجتمع بالبحث العلمي، ومدى قدرته على تشخيص الواقع بكل تفاصيله، وتواجه التنمية في العراق في ظروف آنية، وفي تطلعاتها المستقبلية بواقع البحث العلمي ومستوياته، وإذا كان البحث العلمي في العلوم الطبيعة يختلف عنه في العلوم الإنسانية من حيث عملية تحديد المشكلة بدقة عالية، فان التنمية تحتاج الى بحوث علمية مقننة في العلوم الاجتماعية، لتحديد ماهية النسق الثقافي الذي ستجري فيه التنمية، ومن هنا تبرز أهمية البحوث في العلم الاجتماعية، لأن مصدرها الناس، إفرادا وجماعات، ويرى المختصون في هذه العلوم أن هناك اختلافات أساسية بين البحوث النوعية والبحوث الكمية، على الباحث أن يفهما ويستوعبها، ولعل ابرز تلك الاختلافات بينهما تكمن في أن البحوث الكيفية تدور في مجال محدد، إذ إنها لا تعتمد على الإحصاء والأرقام في تقييم البحوث ونتائجها، اما البحوث النوعية فإنها ذات اتجاه محدد وتعتمد على الملاحظة بالمشاركة والمقابلة وهي تعتمد على قدرة الباحث على وصف الظاهرة بشكل مقنن، ومدى امكانيتها على سبر الواقع وكشف حقائقه، اما البحوث الكمية فإنها تستخدم الأرقام في النتائج، لان المعلومات والبيانات كثيرة وكبيرة ومكثفة، فضلا عن تميزها وبنسبة عالية من الحياد، بينما البحوث النوعية فإنها اقل حيادا لأنها تتعامل مع الظاهرة بسهولة ومرونة. كما أن البحوث النوعية أكثر ما تستهدف الموضوعات التي لا يتوفر عنها بيانات كافية. وفي هذا السياق يتطلب من وزارة التخطيط والمؤسسات ذات العلاقة بإعداد خطة التنمية وتنفيذها على أن تأخذ بنظر الاعتبار،الظروف المختلفة المحيطة بالواقع الاجتماعي، أما آلية العمل فتقوم اولا على تشكيل فرق بحثية من مختصين يقومون باجراء دراسات مسحية لمعرفة الحاجات الأساسية للسكان والوسائل اللازمة لتحديد مدى قدرة الدولة بمؤسساتها المختلفة، في رسم سياسات حكومية على قدر كبير من الدقة في تحديد الأهداف ووضع خطة تنموية مقننة قابلة للتنفيذ مستوعبة للظروف التي يعيشها البلد، والذي يحدد ذلك البحث العلمي القادر على تشخيص المشكلات والقدرات اللازمة في الأداء المؤسساتي، والعراق اليوم بأمس الحاجة الى مثل ذلك، لذا يتطلب من المعنيين بالتنمية مراجعة واقع البحث العلمي حتى تكون بمثابة رؤى نظرية ومنهجية للشروع بالتنمية البشرية على الأصعدة المختلفة، ولا شك أن ذلك محكوم بقدرة الدولة على إجراء التعداد للسكان، ومعرفة القدرات البشرية والاقتصادية والموارد الطبيعة المتوفرة في البلاد، فضلا عن مدى قدرة المؤسسات الحكومية في تحديد حاجات السكان في المجالات المختلفة بهدف وضع خطة بسقف زمني محدد، للتنفيذ، وهذا مرتبط أولا، بحل إشكالية البحث العلمي وعلاقته بالواقع، وثانيا بمدى قدرة المؤسسات الحكومية على استيعاب ذلك، وتطويعه، خدمة لأهداف التنمية البشرية في البلاد.