إمرأة أفغانية تعارض الاتفاق مع طالبان

بانوراما 2019/02/18
...

رود نوردلاند
ترجمة: خالد قاسم
فوجئ سائق سيارة وسط الزحام بمرور سيارة مسرعة، وكانت المفاجأة الأكبر هي قيادة امرأة لتلك السيارة بدون ارتداء الحجاب. تلك المرأة هي ليلى حيدري التي تدير مقهى مشهورا في كابول يسمح للرجال والنساء بتناول الطعام معا، سواء كانوا متزوجين أم لا، بالحجاب أو بدونه وتستخدم الأرباح لتمويل عيادة تأهيل لمدمني المخدرات.
يخاطب الجميع الآنسة ليلى بكلمة "نانا أو ماما" ويصفها مؤيدوها "أم ألف طفل" بسبب عدد المدمنين الأفغان الذين أنقذتهم. كما تخطط ليلى للبدء بانتفاضة شعبية ضد استمرار محادثات السلام مع حركة طالبان.
يقع مطعم ليلى على ضفاف نهر كابول ويكتظ دائما بالزبائن، أما اسمه "تاج بيجوم" فيعود الى أميرة محاربة من القرن 15 في مدينة هرات ساعدت بحكم مملكة واسعة، وهي مثال نادر على قوة الأنثى من ذلك الزمان.
تعد ليلى شخصية استثنائية بعمرها البالغ 39 سنة، اذ تتلقى معظم الناشطات الأفغانيات تمويلا ودعما غربيا، لكنها تصر على تنظيم نشاطها السياسي بنفسها ووفق شروطها الخاصة. تتحدى قلة من الناشطات الأعراف الاجتماعية الذكورية الى الدرجة التي بلغتها ليلى، واللواتي فعلن ذلك يغلب على عملهن الهدوء والتأدب، اضافة الى مجيئهن من أسر متحررة وغربية التعليم تدعم ثورتهن.
تتبع ليلى الأسلوب الصاخب والجريء أحيانا، وتنحدر من عائلة محافظة دينيا، وقد تزوجت بسن 12 من ملاّ يكبرها بعشرين سنة، وانجبت منه ثلاثة أطفال، وهربت العائلة الى إيران لاجئين بسبب الحرب، وهناك حضرت دروسا دينية، لكنها بدأت سرا بدراسة مواضيع عامة والتحقت بجامعة ايرانية، فنالت شهادة بالإخراج.
 
مأساة محفزة
طلقت ليلى زوجها الذي احتفظ بالأطفال وعادت الى أفغانستان لتكتشف أن شقيقها حكيم يعيش تحت أحد جسور كابول مدمنا على الهيروين. قطعت ليلى وعدا بافتتاح مركز علاج المدمنين اذا نجحت بانقاذهم، وهو ما حصل بالفعل، باستخدام طريقة مكونة من 12 خطوة اضافة الى جرعة من القيود الهادفة لجعلهم أشخاصا يتحملون المسؤولية.
أما المطعم، فبعد التحدث مع زبائنه، تخرج ليلى مسرعة الى سيارتها يتبعها عدد قليل من مساعديها لزيارة مركزها لعلاج الإدمان. وهي تقود السيارة بنفسها وتصرخ على السائقين الآخرين
ليفسحوا لها الطريق، ووبخت سائق سيارة الصحفيين التي تتبعها لأنه يقود ببطء شديد.
مركز العلاج يضم 20 مدمنا حلقوا رؤوسهم ويرتدون ملابس أرجوانية اللون لثنيهم عن المغادرة. ولا يسمح بأي نوع من التدخين ويفرض عليهم ممارسة الرياضة، ويتشارك الرجال مهام التنظيف والطهو. من بين الرجال هناك شاب معاق بشدة وليس مدمنا، تقول ليلى أنها وجدته وسط مكب نفايات مصابا وعاجزا عن الكلام، ورغم مناشداتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم يظهر أي قريب له. مدمنو المركز يقولون أنهم كانوا يتلقون برنامجا حكوميا للعلاج مثل "كامب فينيكس" يموله مانحون دوليون، لكنهم وجدوا تلك الأماكن تعج بمخدرات متاحة بسهولة. تقول ليلى أن ألف خريج من مركزها بقوا سليمين لمدة سنة أو أكثر من مجموع خمسة آلاف عالجتهم منذ تأسيس المركز قبل ثماني سنوات، وافتتحت مؤخرا مركز علاج ثان للنساء المدمنات.
توظف ليلى المدمنين الذين يبقون سليمين في مطعمهما، اضافة الى مصنعي أحذية صغيرين تمولهما. يشهد المطعم تكوين صداقات بين شباب غير متزوجين من كلا الجنسين وهو أمر لا تسمح به تقاليد مجتمع كابول، لكن المشروبات تقتصر على الشاي والقهوة وأزيلت كافة الستائر والأبواب الداخلية لمواجهة اتهامات بممارسة سلوكيات غير لائقة هناك.
أثارت الأنباء الأخيرة عن اتفاق مبدئي بين طالبان والولايات المتحدة غضب ليلى، وهي قضيتها الجديدة: "نحن وجها لوجه مع أيديولوجيا، وليست مجموعة أشخاص." 
 
صحيفة نيويورك تايمز الاميركية