الموارد المائيَّة: وضعنا المائي تحت السيطرة

ريبورتاج 2021/06/22
...

  سها الشيخلي 
شهدت مناسيب نهري دجلة والفرات لهذا العام تراجعاً، خاصة في بغداد وجنوبها، وباتت الجزر واضحة في نهر دجلة، ما يدفع للتساؤل، كيف ستكون المياه بصورة عامة والواقع الزراعي؟، وكيف ستنفذ الخطة الزراعية الصيفية؟، وهل سيتضرر الامن الغذائي؟، وهل سنصل الى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الستراتيجية؟، وهل سنشهد شحة في مياه الشرب في صيف قائظ؟، حملنا كل هذه الاستفسارات الى وزارتي الموارد المائية والزراعة لنجد الاجابة.
المستشار الفني في وزارة الموارد المائية الاستاذ عون ذياب تحدث لـ «الصباح» عن شحة المياه فقال: «من يشاهد نهر دجلة يجد أن هناك نقصاً ملحوظاً بالمياه في هذه الفترة، لكنها محددة تتوقف فيها الزراعة، اذ لدينا موسمان للزراعة، وهما الصيفي والشتوي وبين هذين الموسمين تتوقف الزراعة، وهو موسم الحصاد، لذا لا نقوم بهدر المياه بل نعطي الحد الادنى للجريان والمسمى (الجريان البيئي) وهذا مصطلح علمي معمول به في كل دول العالم، ونؤمن مياه الشرب و(الاسالة)، ما يعني أن هذا النزول بمنسوب المياه في بغداد محسوب، اي انه لم ينزل عن 28 متراً كمنسوب فوق مستوى سطح البحر، وهذا المنسوب نعتمده لتشغيل محطات الاسالة بحيث لم تتوقف هذه المحطات، وهذه الاجراءات التشغيلية لضمان سلامة المخزون المائي، وخلال الايام المقبلة ستصعد مناسيب المياه في دجلة وغيره، لكون موسم الزراعة الصيفية قد بدأ من 1/ 6، وتعطى الرية الاولى لمحاصيل الخضر في دجلة، وفي الفرات تبدأ في 15/ 6 الرية الاولى لمحصول الرز في منطقة الفرات الاوسط، ولمحصول الذرة الصفراء تبدأ في 1/ 7». 
 
تقاسم الضرر
وبين ذياب «من العرف الدولي ومن المفروض على دولة المنبع ألا تؤثر في دولة المصب وتسبب لها اضراراً، كالذي حدث عام 2018 في البصرة من كارثة، قضت على الاسماك، اذ صعد اللسان الملحي الذي سبب حالات التسمم من الماء، وكان من المفترض ألا يحدث هذا والموارد المائية تكون عادة ثابتة، وهناك سنوات ممطرة واخرى شحيحة، ولكن كمعدل فموارد المياه ثابتة، ولكن الدول الساكنة على المنابع مثلا الفرات من منطقة ارض روم الى حد الفاو وكل هذه المجتمعات تحتاج  الى المياه، وقد ازدادت عددياً الى اربعة اضعاف، وعند زيادة البشر يزداد الطلب على المياه، وهذا المفهوم في المجتمعات الدولية يسمى بتقاسم الضرر، وهذا الامر تحسمه الاتفاقيات الدولية وعند ذهابنا للاتفاق مع دول المنبع نعطي رأينا بشكل فني ودقيق ونطلب من سياسيينا التحرك الجاد». 
 
الأمن الغذائي
اما وكيل وزارة الزراعة الدكتور مهدي سهر الجبوري فبين «ان الامن الغذائي يشكل ضرورة كبيرة للبلد ومن اهم الانظمة الاساسية في القطاع الزراعي، وفرة المياه والتقنيات الحديثة التي تستخدم لتقليل الهدر في المياه، والقطاع الزراعي يشكل استخدامه
للمياه نسبة 70 % وما تبقى من المياه تستخدم للشرب وللصناعة والاستخدامات الاخرى، واي تقليل للهدر سينعكس بالايجاب على احتياجات القطاعات الاخرى، لذلك خططنا الزراعية الشتوية والصيفية تطرح بالتوافق مع وزارة الموارد المائية، اعتمادا على الخزين المائي المتوفر، وخطتنا الصيفية لهذا العام جيدة نسبة لما متوفر من الخزين المائي الجيد ولم تتأثر بقلة الامطار، اذ كان الموسم في عامي 2020و2021، جافاً عكس المواسم السابقة التي كانت رطبة ووفرت لنا الامطار والسيول خزينا مائيا جيدا يكفي لمدة ثلاث سنوات على الاقل، ولهذا فالتأثير في الموسم الشتوي سيكون طفيفاً لهذا العام».
 
تقنيات الري
ولفت الجبوري الى أن «دائرة البحوث الزراعية دائماً تقوم باستنباط اصناف للمحاصيل الزراعية الاساسية والتي تتحمل الجفاف، خاصة الرتب العليا للحنطة والشعير والذرة الصفراء والشلب، حتى تستهلك مياهاً اقل وتتحمل الجفاف والظروف الجوية، وهذا يعد منجزاً للبحوث الزراعية، ولدينا برنامج تقنيات الري وهو من اهم البرامج التي تنقل للقطاع الزراعي بالكامل من الري السطحي والتقليدي الى الري التكميلي والحديث، وهذا البرنامج يعاني من قلة التخصيصات المالية لارتباطه بالخطة الاستثمارية المرتبطة بوزارتي التخطيط والمالية، وفي السنوات الاخيرة وبسبب الضائقة المالية خفضت كل الخطط الاستثمارية وتأثر هذا البرنامج، اضافة الى أن شركة سنحاريب لتقنيات الري تمت تصفيتها عام 2015 وقدمنا طلباً لالغاء هذه التصفية واعادتها، لكونها تهتم بمستلزمات الزراعة، وهي تقنيات الري الحديثة، وقد وجدنا أن باتباع تقنيات الري الحديثة كانت الانتاجية للحنطة قد تجاوزت الطن ونصف الطن في الدونم الواحد، عكس الاراضي السيحية التي كانت انتاجيتها لا تتجاوز (300 او 400 كيلوغرام)، وهذا الفرق في الانتاج سوف يقلل لنا الكلف في الانتاج للدونم الواحد او للطن الواحد، ويزيد لنا من الارباح التي يحققها المزارع، وقد لاحظنا في بعض المحافظات أن الكلف نفسها للاراضي التي تحت الري السطحي او التي تحت الري التكميلي، لكن الانتاجية في التكميلي اعلى من السطحي»، مشيرا الى أن الوزارة تهتم دوماً بالمحاصيل الستراتيجية وتخضعها الى الري التكميلي، كون الانتاجية فيها عالية. 
 
استحقاقات
الدكتور حميد النايف الناطق الرسمي لوزارة الزراعة تحدث عن هذه الشحة قائلاً «لا شك أن هذا العام شهد قلة في الامطار والاحتباس الحراري، ما اثر سلبا في مناسيب المياه بشكل عام وليس في العراق بل بكل دول المنطقة، وكذلك قامت دول الجوار بتقليل وصول المياه الى بلدنا، ما اثر سلبا في نهري دجلة والفرات باعتبارهما نهري المصب، ولكن الامطار التي سقطت عام 2019 كان لها دور كبير، وقد قامت الموارد المائية باحتواء تلك الموجات الفيضانية، وخزنها بالسدود، ما ساعد القطاع الزراعي في أن تكون خطتا عامي 2020 و2021 جيدتين، وللوزارة دور للخطة الصيفية التي اعدت بشكل كامل ووزارة الموارد المائية ستطلق المياه في الوقت المناسب، فقد كانت خطتها جيدة بعدم هدر المياه، اضافة الى جهودها برفع كل التجاوزات الى حد البصرة، وهناك تفاوض مع الجانب التركي والايراني بشأن الاستحقاقات المائية، وان وضعنا المائي اليوم تحت السيطرة». 
ولفت النايف الى أن «للوزارة بحوثاً زراعية لاستنباط اصناف مقاومة للجفاف والملوحة، تتلاءم والوضع الحالي، ومنها اللجوء الى الزراعة العمودية لزيادة غلة الدونم الواحد من خلال التقنيات
 الحديثة».
واشار الى أن «الخطة الزراعية الآن رائدة، وتم اعتمادها في (2مليون و300 الف دونم)، منها (مليون و861 الف دونم) على الارواء، و(500 الف دونم) امنتها الآبار الارتوازية، وخطتنا لهذا العام (400 الف دونم شلب) وزراعة الذرة الصفراء والبيضاء والدخن وزهرة الشمس بمساحات محددة وحسب المناطق». 
 
متجاوزون
وتحدثت لـ «الصباح» الدكتورة ايسر عبد العزيز النايف المدير العام لهيئة المياه الجوفية في وزارة الزراعة قائلة: «ان استخدامات المياه الجوفية بالدرجة الاساسية هي للشرب، والزراعة، وشرب الحيوانات، اضافة الى استخداماتها الصناعية، اما قولك ان ماءها غير مستساغ، فدورنا ينحصر في استخراجه، وعلى الاسالة مهمة تحليته، كما ان اكثر المياه الجوفية لدينا صالحة للزراعة».
واكدت الدكتورة ايسر ان «للبلد مياهاً جوفية غزيرة، ولكن هناك تجاوزات كثيرة عليها، ونحن بالدرجة الاولى نأخذ المياه المتجددة، فلدينا (متجددة وغير متجددة) من هذه المياه، ونقلل استخراج المياه الجوفية كونها ثروة للاجيال المقبلة، ونحافظ عليها فهي خزين ستراتيجي لهم».
ولفتت الى أن هناك اماكن عديدة لهذه المياه، منها في المناطق الغربية وفي الحدود الشرقية، واكدت ضرورة عدم الحفر العشوائي من قبل المزارعين، بل يجب الحفر عن طريق هيئتنا، ونحن بصدد محاسبة المتجاوزين على المياه الجوفية بشتى الطرق التي قد تصل الى الغرامة.