فجرمحمد
من يعرف اسرة ابي هند عن قرب، بمقدوره أن يخمن كيف يمكن أن تنتهي جلسات الاسرة بالشجار والصراخ اذا ما التقت الشقيقتان هند ووسن على مائدة واحدة، فهما منذ طفولتهما لا تتفقان ابدا، وغالبا ما ينشب العراك والصراخ بينهما وعلى اتفه الاسباب، وتروي شقيقتهما الصغرى غزل كيف يمكن أن تنقلب جلسة اسرية مليئة بالود والمحبة الى حلبة صراع بين الشقيقتين.
حتى بعد أن تزوجتا وغادرتا منزل الاسرة وتقول غزل بوجه عبوس «على الرغم من صغر سني الا انني كنت شديدة الانتباه الى الغيرة التي تكنها شقيقتاي لبعضهما البعض، فهما من المستحيل أن تتفقا على امر ما او تتشاركا اشياءهما معاً، فكلتاهما ترفض وجود الاخرى وان تقبلته فعلى
مضض».
التعلق العاطفي
ترى الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي أن الاطفال يولدون وبداخلهم نوع من التعلق العاطفي تجاه الاب او الام او من يرعاهم، وهي حاجة فطرية يحتاج الصغار الى تغذيتها وفقا لهرم ماسلو، فضلا عن الحاجات البايولوجية والنفسية كي يشعروا بالامان الاجتماعي ويحققوا ذاتهم مستقبلا، وتوزيع الحب والاهتمام من قبل الوالدين بالتساوي بمقدوره تحقيق هذا
الامر.
بداية الفجوة
لم تكن وسن طفلة عادية بل عانت من مشكلات صحية في طفولتها، ما ادى الى ايلاء الاهتمام والخوف من قبل الوالدين لها بشكل كبير، اذ توضح غزل ذلك فهي غالبا ما تسمع هذا الموضوع من والدتها التي تكرره على مسامعها دائما، كي لا تتولد الغيرة في قلبها هي الاخرى تجاه اختها، كما هو الحال مع شقيقتها الكبرى، وتكمل غزل حديثها بالقول: «لهند طباع قاسية وعصبية مفرطة، ومهما حاولنا انا ووسن احتواءها نفشل بذلك، وهذا الامر يصيب امي بالخيبة والحزن فتلقي باللائمة على نفسها، لأنها اولت الاهتمام والرعاية لوسن فقط، واهملت هند بشكل واضح ما ولد لديها حقداً تجاه
شقيقتها».
ضوابط تربويَّة
غالباً ما يرتكب الوالدان اخطاء كثيرة في تربيتهما، فقد يفضلان الابن الاكبر على الاصغر او بالعكس، من دون أن ينتبها الى مخاطر هذا الامر مستقبلا، وكيف يمكن أن يخلق العداء والبغضاء بين الابناء وقد يمتد الى اولادهم واحفادهم مستقبلا، ولكي لا يقع الوالدان بهذا المطب الخطير، تنصح الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي الوالدين باحترام الفروق الفردية بين الاولاد، ومراعاة ان لكل طفل ميزته الخاصة وأن يتم توزيع الحب والمسؤوليات والواجبات بين الاولاد بشكل متساوٍ
وعادل.
نزاع مستمر
مناكفات وشجارات واختلاف بوجهات النظر لا تكاد تنتهي بين الاخوين ازهر وايسر، فقصتهما لا تختلف عن هند ووسن كثيرا، مع فارق بسيط وهو ان والديهما قد انفصلا وهما صغيران، وكان احدهما الاحب الى امه والاخر الاقرب الى ابيه، فازهر هو الاكثر شبهاً بوالده كما يقول هو، اما ايسر فهو توأم روح امه كما يصفه اخوه.و يشكو ازهر من التفرقة التي يراها في معاملة امه لاخيه، فهي تفضله بكل شيء وتميزه، وغالبا ما يشعر ازهر حسب قوله بعدم محبة امه له ومعاقبتها له لشبهه الكبير بوالده، ولم يتمكن ازهر من التخلص من هذه العقدة التي رافقته حتى بعد أن كبر وتزوج واصبح لديه اسرته وعالمه الخاص على حد وصفه.
التنشئة الاجتماعيَّة
يكاد يجزم علماء النفس والاجتماع أن الغيرة هي احدى القضايا النفسية والاجتماعية في الوقت ذاته، والامر ينطبق على الانفعالات وردات الفعل التي يبديها الفرد تجاه القضايا المختلفة، ووفقا للباحث بالشؤون الاجتماعية والنفسية ولي الخفاجي فان الغيرة موجودة بين افراد المجتمع باكمله وليس فقط الاطفال ولكنها اذا ما نشأت في الطفولة، فقد تتحول الى عداء يصعب السيطرة عليه، ويلقي الخفاجي باللائمة على ارباب الاسر فهم غالبا ما يخطئون في التربية ويفضلون فردا على آخر، فقد يميزون الذكر على الانثى او الصغير على الكبير وبالعكس، وهذا الامر يولد الحقد والغيرة بين الاشقاء.
عداء
عندما رزقت شقيقتاي هند ووسن بمولوديهما وبفترة زمنية متقاربة، استبشرنا خيرا بظننا أن هذا الامر قد يقرب بينهما وينمي الالفة والمودة، ولكنه على العكس من ذلك كان سببا للعداء الاكبر كما تصفه شقيقتهم غزل، فاذا ما لعب اولادهما معا وتشاجروا ادى هذا الامر الى امتداد الشجار لشقيقتي وكأنهما تبحثان عن عذر لتفرغا شحنات الغضب والكراهية تجاه بعضهما، وتبين غزل ان هذا العداء يعرفه كل قريب وصديق
للاسرة.
مفاضلة و تمييز
يوجه الباحث بالشؤون الاجتماعية والنفسية ولي الخفاجي حديثه الى الوالدين كي يسلكا الطريق الصحيح بالتربية، وذلك بالابتعاد عن المفاضلة والتمييز بين الاولاد، ويذكر الخفاجي قصة العداء الذي نشب بين اخوة النبي يوسف(ع) لتفضيله من قبل ابيهم عليهم جميعا، وينصح الخفاجي الوالدين بالابتعاد عن اظهار المحبة والاهتمام الزائد لطفل على حساب آخر، ويحثهم على أن يكون الفارق العمري بين ولد وآخر هو اربع سنوات او اكثر بقليل كي يتشكل الوعي لدى الشقيق الاكبر ولا يشعر بالغيرة والحقد تجاه شقيقه الاصغر منه سناً.
واجبات منزليَّة
لا انكر أن امي تحبنا نحن الثلاث بالمقدار نفسه، لكنها بقيت تفضل وسن علينا ولكنني اتفهم هذا الامر هذا ما قالته غزل متابعة حديثها: «لطالما توزعت الواجبات المنزلية بيني وبين هند، وفي اغلب الاحيان كانت وسن تستبعد من هذا الامر، خوفا على صحتها، لانها تعاني من مشكلات في الجهاز التنفسي وانا اتفهم هذا الموضوع
تماما».
قوانين أسريَّة
تجد الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي ان القوانين التي يضعها اولياء الامور داخل المنزل لها دور في تنظيم العلاقة بين الابناء، وتمييز الطفل الذي يؤدي واجباته بنجاح وحث اخيه على التشبه به من شأنه أن يقلل من الغيرة، ويشيع جو الالفة والمودة بين الاخوة، بعيدا عن الكراهية التي قد تنشأ نتيجة اساليب تربوية غير
صحيحة.