رعد اطياف
أستطيع أن ادرك تسعة عيوب في الآخر لكنّي أدرك عيباً واحداً في نفسي. يمكنني اختلاق سلسلة طويلة من الاعذار للعيب الذي اقترفته، لكني أتجاهل كلياً فكرة التبرير لعيوب الآخرين. ذلك أن التبرير لعيوب الآخرين سيسلب مني وهم الاعتزاز بالذات، والشعور بالأهمية، وفرط المبالغة في تقدير الذات.
لكن لو تطلّب الأمر التلصص على الآخرين، الذين هم مصدر نفوري، والاستفادة منهم، سأسرع إلى التقمص مع الحفاظ على
النكران!.
إن وظيفتي المعلنة واحدة لا غير: تغييب الامتنان من الآخرين لأقصى مدى ممكن، وتشغيل خاصية النكران عبر النفور المستمر، والتبريرات المملة، للحفاظ على تميّزي الموهوم. وأعني الموهوم هنا، هو اعتقادي بلا جدوى
الآخر.
ولكي أبرر هذا الحال اشرع في إعطاء الأولوية لاعتزازي بذاتي، حتى لو كان للآخرين نصيب بذلك. وبالطبع لا نعني الغرق بالآخرين وثرثرتهم اليومية، بل أعني بالذات تلك الجوانب النفسية المسمومة التي تعلي من شأن الذات عبر تسفيه الآخر، حتى لو كانت الذات فارغة من أي مُنجَز. فجوهر الموضوع يتعلق بصراعاتنا النفسية التي تتخذ طابعاً نرجسياً طفولياً. حسناً إن كان ولا بد من ذلك، أعني عدم القدرة على التبرير للآخرين، فثمّة نصيحة مجانية يسديها بعض المعلمين مفادها: يمكن لعيوب الآخرين أن تغدو مرآةً لنفسي، تساعدني على أخذ العبرة بفترة قياسية بدلاً من استهلاك العمر للغرق في الآخرين. بعض الأحيان أواجه أشخاصاً ثرثارين، فيبدأ خزّان القيم الذي لا يرحم وابدي امتعاضي من هؤلاء، علماً أن ثرثرتي في أحيان ليست بالقليلة لا تقل عنهم، لكن ماذا نفعل بهذا الشيطان الذي يطلق على نفسه صفة «الاعتزاز بالذات»؟! والذي يبيح لنفسه ما يمتعضه من الآخرين.
كذلك يتكلم المعلمون عن طريقة أخرى يبدو أنها اسرع من الاولى، رغم التداخل والتشابه في ما بينهما، وهي: أن الأخر يعاني مثلما أعاني، لكنه يختلف عن معاناتي؛ فانا، مثلاً اعاني من التساهل مع الكذب، بينما هو يعاني من الغضب؛ انا اعاني من قلة الفهم، بينما هو يعاني من التجاهل، انا متكبر، وهو خجول.. ألخ.. فمثلما نرى لا مفاضلة في المعاناة رغم اختلاف درجاتها وتأثيرها لكنًها محكومة بسلطة
الجهل.
خلاصة الأمر: الآخر مرآة لي ويكشف المستور من عيوبي، والآخر مصدر من مصادر الرحمة العظيمة فبسببه اصبحت رحيماً بالآخرين ونفسي. فليس بالضرورة ان يكون الآخر جحيماً لا يطاق، خصوصاً حينما لا يكون تمايزاً ملحوظا بيني وبينه، وبالخصوص حينما أكون مثالاً جلياً لصوت الصفيح؛ إذ كلما كان الصفيح فارغاً كان صوته أكثر نشازاً، والعاقبة لمن يبصر ويفهم، لا لمن يزبد ويرعد.