لإعادة أكثر من 150 مليار دولار .. هل سيتحقق مشروع قانون استرداد الأموال؟

ريبورتاج 2021/07/01
...

 علي لفتة سعيد
عد نص مشروع القانون الذي تقدم به رئيس الجمهورية برهم صالح الى مجلس النواب محاولة جيدة، وان كانت متأخرة من اجل استعادة الاموال التي اطلق عليها (منهوبة) وهربت الى خارج العراق والتي تقدر بأكثر من 150 مليار دولار، وما بين مؤيد بحذر ومعارض ومشكك بقوة ينتظر الرئيس العراقي من مجلس النواب قراءة مشروع القانون واقراره، وهو ما جعل القاضي رحيم العكيلي احد المشاركين في كتابة نص القانون يعده ثورة وقانوناً عراقياً خالصاً لا يعتمد على نقل القوانين التي تصدر في هذه الدولة او تلك وانه يتطلب الكثير من العمل الجدي.
وقد قال رئيس الجمهورية برهم صالح إن «150 مليار دولار هُرّبت من العراق منذ سقوط النظام السابق في العام 2003، من جراء الفساد، بينما تردت الخدمات بشكل كبير في البلاد»، وأضاف صالح في مقابلة مع صحافيين انه «قدّم للبرلمان نصاً قانونياً يهدف إلى استعادة الأموال العامة التي فقدت جراء الاختلاس، وملاحقة المسؤولين عن ذلك»، وهو ما دعا الى مطالبة مجلس النواب بالموافقة على القانون، بهدف القضاء على الفساد الذي «عطل إرادة الشعب في التقدم والبناء»، في العراق إحدى الدول التي تعاني من الفساد بصورة كبيرة، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية غير الحكومية».
 
صانعو القرار
إلا ان القاضي رحيم العكيلي يقول ان مشروع قانون استرداد عائدات الفساد «تضمن لأول مرة في العراق نصا يجيز للقضاء فسخ او ابطال العقود او الاذونات او الموافقات او المعاملات اذا منحت بالرشوة او باستغلال النفوذ او باي من ممارسات الفساد»، واضاف «ان مشروع قانون استرداد عائدات الفساد يؤسس لأول مرة في العراق لمفهوم (اصحاب النفوذ) وهم شخصيات لا تشغل مناصب رسمية، لكنها تملك تأثيرا في صنع القرار داخل مؤسسات الدولة، مثل قادة الكتل والاحزاب السياسية والاثرياء واصحاب المصارف، ويشمل اعضاء اللجان الاقتصادية في الوزارات، ويعطي صلاحية للجهات الرقابية للتحري خلف اموالهم وتعاملاتهم، بحثا عن تدخلهم في ممارسات الفساد».ولان مشروع قانون استرداد عائدات الفساد يؤسس لمفهوم التحري خلف جميع اموال وارصدة شاغلي المناصب العليا الاكثر عرضة للفساد، من مدير عام فأعلى في داخل العراق وخارجه، اضافة الى اسرهم والاشخاص وثيقي الصلة بهم، ويلزمهم بتقديم تخويل للجهات الرقابية يمكنها من طلب المعلومات من الدول الاخرى، ورفع السرية المصرفية عن ارصدتهم وتعاملاتهم المالية».
 
تعطيل مؤسسات
وهذه الاموال الكثيرة كان يمكن لها، لو استثمرت في العراق أن تحول الى جانب الاعمار او الى وجهة اخرى، و لوفرت المشاريع المنفذة أهدافا عديدة، كما يرى المدرس المساعد في كلية القانون بجامعة كربلاء الحقوقي اياد جعفر علي الاسدي ان «ما قدمه رئيس الجمهورية مؤخراً كان بموجب صلاحياته الدستورية وفق المادة 60/ اولا تحت عنوان «قانون استرداد عائدات الفساد»، لكن الاسدي يذكر عشر ملاحظات على مشروع القانون، أولها ان «أكثر النصوص فيها تكرار واعادة لحالات تمت معالجتها بقوانين لا تزال نافذة مثل (قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2019، وقانون الادعاء العام رقم49 لسنة 2017، وقانون مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015، وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971»، ويرى في هذه النقطة أن «مكافحة الفساد واسترداد الاموال سيكونان اكثر فاعلية من خلال تفعيل القوانين النافذة وتعديلها للضرورة وليس بكثرة التشريعات»، ويذكر ان بعض ما جاء بالفصل الرابع ان أكثرها «أحكاما اجرائية لا داعي لتكرارها ايضا لأنها مذكورة بقانون اصول المحاكمات الجزائية، كما انه بما يخص موضوع استرداد اموال الخارج، توجد في هيئة النزاهة دائرة تسمى دائرة الاسترداد تعمل بالتعاون مع القضاء والادعاء العام ووزارة الخارجية والانتربول، وتمت اعادة اموال لمرة واحدة وهي تتعلق برواتب مسروقة من قبل موظفة تعمل بالأمانة»، مستدركا إن جهود النزاهة «لا تلاقي تعاونا من الدول الاخرى التي لها قوانينها الخاصة من حيث عرض قرار الحجز والتجميد على قضاء تلك الدول، وهذا احد اسباب تأخير الاجراءات».
أصحاب النفوذ
واما عن الملاحظة الثانية فيقول «لم تعرف المادة الاولى جريمة الفساد، وكان بالإمكان تعريفها بشكل واضح ودقيق، خاصة ان هناك منظمات دولية عرفتها كذلك البنك الدولي واتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وحدد القانون المسؤولية لغاية الدرجة الثانية للمتهم وكان يفضل أن تحدد للدرجة الرابعة، لان اغلب المتهمين يستخدمون الاقارب لهذا الغرض في تهريب الاموال او إخفائها وهذه الاخيرة تعد ثغرة مهمة ستكون سبباً للفساد لا سبباً لمكافحته»، بينما قال عن الملاحظة الثالثة انها تتعلق بالمادة السابعة من القانون  كونها «ذكرت لنا مصطلحا جديدا وهو اصحاب النفوذ وهو مصطلح غير دقيق وعائم»، منتقدا القانون بالملاحظة الرابعة كونه «لم يشر الى ماهية الاسرة او تعريف الاسرة مثل الاب والام»، متسائلا في الملاحظة الخامسة «من هي المحكمة المختصة التي ستتابع الاجراءات»، متسائلا ايضا في النقطة السادسة عن توسع المادة 4/ ثانيا من القانون» في مسألة الحجز على عائدات الفساد، اذ اوجبت الحجز على القاضي بناء على طلب الجهات المختصة او ذوي المصلحة، ماذا لو تبين انه إخبار كاذب وتضرر المتهم من عدم ثبوت التهمة؟»، موجهاً ملاحظة سابعة تتعلق بما قاله وهي ان «المبلغ المحدد لفتح الحساب كبير، ويفترض تحديده بحد ادنى نصف مليون دولار بدلا من مليون دولار»، منتقدا في الثامنة ان مشروع القانون «حدد تاريخ 1/1/ 2004 اشعارا بالتحويلات لأصحاب المناصب العليا، ماذا عن الفترة قبل هذا التاريخ، الا توجد اموال هربها النظام السابق خارج العراق؟».
 
شهادة
وتتعلق الملاحظة التاسعة بالتعاقد مع شركات اجنبية متخصصة في متابعة الاموال المهربة مقابل نسبة لتلك الشركات فيقول انه «سبق وان طرح وتمت المطالبة به من قبل هيئة النزاهة ولكن لم تحصل موافقات حكومية عليه، والان بعد كل هذه السنوات يريدون ادراج نص يسمح بذلك، في حين ان الامر لا يحتاج لنص قانوني وهو من مهام هيئة النزاهة والحكومة»، مختتما ملاحظاته عن الجديد في المشرع، كونه أقر مبدأ جديدا وهو «التصالح على المال العام، اي عقد اتفاق او صفقة مع مرتكب جريمة الفساد، فجاء الفصل الثالث واعطى لقاضي التحقيق صلاحية تخفيف العقوبة الى ما لا يقل عن نصف حدها الادنى للمتهم الذي يقدم معلومات كافية عن الفساد ويدلي بمعلومات عن شركائه في ارتكاب الجريمة، ويشهد بحقهم ويسهم في حرمانهم من عائدات الفساد واوجب كذلك الزام محاكم الموضوع، الجنايات او الجنح باتباع قرار قاضي التحقيق في تخفيف العقوبة، ويكون هناك عفو كامل اذا بلغ قبل علم الجهات التحقيقية، اما اذا كان بعد علم الجهات التحقيقية عد عذرا مخففا شرط أن يسهم في كشف المعلومات»، وينتهي الحقوقي الأسدي بما قال انه خلاصة رأيه وهي أن «تعديل القوانين النافذة افضل من تشريع جديدة، لان كثرة التشريعات لا تحقق المطلوب دائما». 
منوهاً الى ضرورة تعديل «قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع وأن نضيف لها مواد جديدة، ومنها موضوع التصالح وموضوع المكافأة للمخبرين وعقد الاتفاقيات الثنائية»، مستدركا في اتجاه آخر معبراً عن اعتقاده بأن «احد اسباب طرح هذا المشروع من قبل رئيس الجمهورية هو ان الدستور العراقي منحه صلاحية العفو الخاص في المادة 73 /اولا واستثنى الجرائم الارهابية وجرائم الفساد المالي والاداري، ولولا هذا الاستثناء لكان هناك من صدر عفو خاص بحقه ضمن الاتفاقات السياسية»، لذا يرى أن موضوع التصالح في جرائم المال العام «أريد به أن يكون بديلا عن هذا العفو ولكن من خلال قانون يشرعه البرلمان العراقي».