واقع الشمول المالي في العراق

اقتصادية 2019/02/19
...

أحمد هذال
 
 
تزايد الاهتمام الدولي بالشمول المالي ووضعته البلدان ضمن اهدافها الاقتصادية ليكون عنصراً فاعلاً في تحقيق التنمية المستدامة، وتشير البيانات الاحصائية الى ان هناك (69 بالمئة) من السكان البالغين، بما يعادل (3.8) مليار انسان يمتلكون حسابات مصرفية في العالم، وطبعاً تختلف هذه النسب بين الدول باختلاف تطور الاقتصاد، ويعرف الشمول المالي على أنه وصول الخدمات المالية والمصرفية الى اكبر عدد ممكن في المجتمع وبتكاليف مناسبة بما يسهم في استدامة التنمية، وهو عكس الانحسار المالي للفئات عالية الدخل.
إن الثورة الصناعية الرابعة هي الثورة التكنولوجية، والتكنولوجيا عنصر مهم في تحقيق الشمول المالي، وهما يسيران في الاتجاه نفسه، كما ان علاقة نسبة الوعي والثقافة المصرفية علاقة تسير ايضاً في ذات الاتجاه.
لذلك فالعصر الحديث يؤشر بوضوح الى التوجه نحو الشمول المالي، كما ان البنك المركزي العراقي اطلق الستراتيجية الوطنية للشمول المالي للمدة (2018-2020)، وحقق فيها نتائج ربما تكون مقبولة لكنها ليست بالمستوى المطلوب التي وصلت اليه البلدان الآخرى، وبالتأكيد فإن كل مشروع جديد يواجه العديد من التحديات للوصول الى نتائج مقبولة، وهناك تجربة ناجحة للشمول المالي وهي توطين رواتب اكثر من 3 ملايين موظف في المصارف، ما ادى الى زيادة نسبة الامان والسهولة بالتعامل بين الافراد من جهة والمؤسسات من جهة أخرى، لكن هذه التجربة رغم نجاحها الا انها لا تعبر عن المعنى الحقيقي للشمول المالي.
 إذ ان نسبة ماتشكله العملة الوطنية خارج الجهاز المصرفي  تصل تقريباً الى (55 بالمئة) (بالمعنى الضيق M1)، وأن (45 بالمئة) تقريباً هي نسبة ما تشكله العملة الوطنية داخل الجهاز المصرفي (بالمعنى الضيق M1)، فتحقيق الشمول المالي ليس بإجبار الموظفين على توطين الرواتب من خلال دفعها عبر البطاقات الالكترونية وفي نهاية الشهر يسحب كامل راتبه، المعنى الحقيقي للشمول المالي هو ترغيب المواطنين والتجار وارتفاع حجم الثقة لديهم في العمل المصرفي بتحفيز الادخار عبر سعر الفائدة، ومن ثم سحب النقود المكتنزة من البيوت وجعلها قابلة لزيادة الائتمان المصرفي من خلال عمليتي السحب والايداع، هذا ما سيسهم في رفع التعاملات المصرفية، فضلاً عن عامل الثقافة المالية ومساهمته في ارتفاع نسبة مؤشر الشمول المالي الذي وصل الى (22 بالمئة) لمستوى البالغين حسب احصائية البنك الدولي، و11 بالمئة حسب احصائية البنك المركزي العراقي وباعتقادي أن نسبة (11 بالمئة) هي نسبة معقولة لأنّها استندت على عدد الحسابات المصرفية المسجلة داخل الجهاز المصرفي.
ويمكن تسجيل بعض الملاحظات حول الشمول المالي في العراق بالنقاط الآتية:
١- هناك تعاملات غير رسمية وهي مشابهة لما تقوم به المصارف، وهي تعملات يرتفع فيها سعر الفائدة في السوق السوداء ضعف اسعار فائدة المصارف.
٣- إن نسبة الشباب البالغة من العمر (15-35) تمثل نسبة عالية وتصل الى اكثر من (30 بالمئة) من مجموع السكان وهذا يمثل قاعدة اساسية وداعمة لعملية الشمول المالي في العراق، لكن المؤسسات المالية لم تستثمر هذه الثروة التي تمثل عنصر قوة داخل الجهاز المصرفي.
٤- نسبة الكثافة المصرفية تقريباً كل فرع مصرفي يغطي (35000) نسمة، وهي تدل على انخفاض عدد الفروع وخصوصاً في المنطاق ذات الدخل المحدود، علماً ان المعايير الدولية تؤشر على ان كل فرع واحد يغطي (10) الاف نسمة.
٥- البنك المركزي العراقي يستهدف الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وكما يوضح مفهوم الشمول وهو عكس الانحسار، لكن كيف ستستخدم هذه الفئات الادوات المالية وهي تعاني من سوء توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية، اذا نحتاج الى تنمية دخول الافراد والعدالة في توزيع الدخل.
٦- الاستقرار المالي عنصر مهم في تحقيق الشمول المالي وهو عندما تتساوى رغبات الادخار والاستثمار، والقطاع المصرفي يعاني اختلال في هذا الموضوع من جانب عنصر الثقة بين الزبون والمصرف، اذاً كيف يمكن ان نجعل الثقة متبادلة وان ننمي جانبي الادخار والاستثمار لان المصرف هو وسيط بين المدخر 
والمستثمر.
هذه الملاحظات تحتاج الى تكثيف الجهود الرامية لتحقيق الشمول المالي، لاسيما وهو الان في عداد الاهداف الانمائية التي تسعى البلدان الى تحقيقها.