استتروا

الباب المفتوح 2019/02/19
...

نجم الشيخ داغر
كثيرا ما استوقفتني عبارة يتم تداولها كثيرا في عناوين مقاطع اليوتيوب او وسائل التواصل الاجتماعي وهي فضيحة فلان او (شهيرة) علانة، وكأن القيمين على هذه المواقع يعرفون ان هذه الكلمات كفيلة بتحقيق آلاف المشاهدات ان لم تكن مئات
 الآلاف.
وفي وسط تأملي تساءلت عن السبب الذي يدفع الكثيرين الى فتح هذه المقاطع ومشاهدتها، بل احيانا المشاركة بالتعليق والتسقيط ، حتى وان ظهر انها مفبركة ؟، وما الذي يجعل الناس تواقين لفضح هذا او كشف الستار عن ذاك، مع ان الاكثرية الغالبة منهم مسلمون ودينهم أمرهم بالستر والاستتار ؟.
المشكلة كما نوهت سابقا في مقالات عدة ان هناك نوعا من البطانة ما بين الاسم والمعنى، اي ان الشخصية الاسلامية او الدينية والاخلاقية لم تستقر بعد في اغلب النفوس، كبارا او صغارا شيبا او شبانا، فالاسم يكشف عن ان الغالبية يدينون بهذا الدين او ذاك، فيما المعنى تراه متشحطا بدمه مذبوحا من الوريد الى الوريد بسلوك من يدعي الايمان به، واكبر الأدلة على ذلك، هذا البون الشاسع ما بين الشعارات المرفوعة التي تلهج بها الالسن في كل حين وبين ما يقع على الارض على شكل سلوكيات 
يومية.
يستفزني جدا هذا الحنق المودع في النفوس وهذه الرغبة الجامحة بفضح الناس والشماتة بهم والمشاركة في اسقاطهم، حتى وان ظهر ان الفيلم الفلاني او المقطع مفبرك او مزيف، فانك تلاحظ انهم لا يعتذرون عما قالوه وكتبوه بل يذهبون للبحث عن فضيحة اخرى كي تلوكها السنتهم في مجالسهم الخاصة والعامة.
وعند عرض هذه الاعمال على شريعة الاسلام السمحاء والتربية المهذبة، بل الاديان جميعا، نجد انها كلها أمرت بضرورة الستر وعدم اشاعة الفاحشة، فهذا النبي (ص) قد تكلم في الكثير من المواضع عن ضرورة ستر الناس كما في قوله  «ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، بل انه طبقها في حياته سلوكا كي يحذو المسلمون حذوه حينما جاءه رجل فقال له يارسول الله (ص) رأيت فلانا يزني بفلانة، فقال
 له: ألا سترتهما.
ويروى ايضا أنه في عهد موسى (ع) جف المطر وطلب منه قومه أن يدعو ربه بالغيث وينزل عليهم المطر، فصعد الجبل ودعا ربه بأن ينزل عليهم المطر، فقال له ربه عز وجل: يا موسى كيف انزل المطر وبينكم عاص، فرجع موسى إلى قومه وبلغهم بأن بينهم عاصيا ولم ينزل الله المطر إلا إذا خرج فلم يخرج احد، ثم انزل الله المطر فصعد موسى الجبل وقال لربه يارب جمعت القوم وأبلغتهم بأن بيننا عاص فليخرج ولم يخرج احد وقد أنزلت المطر يا رب، فقال سبحانه وتعالى يا موسى أنى أنزلت المطر بعد ما تاب العاصي توبة نصوحة، فقال موسى لربه من هو يا رب حتى نعرفه، قال الله عز وجل يا موسى سترته وهو عاص فكيف لا أستره وقد تاب
 إلي.
هذه هي اخلاق الله الذي انزل الشرائع والاديان، وهذه اخلاق انبيائه الذين نتقاتل نحن عصبية لهم ولاديانهم، فيما نحن بعيدون عنهم بعد الارض عن 
السماء. 
فاستتروا واستروا الناس كي يستر الله عليكم، لأن الجميع معرض للابتلاء، كما في الحديث النبوي الذي يقول «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُسلم بقلبه لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنه من تتبَّع عثرات المسلمين تتبَّع الله عثرته، ومن تتبعَّ الله عثرته 
يفضحه».