محنة القضاء الاداري في العراق

آراء 2021/07/05
...

 سلام مكي
 
حق التقاضي، من الحقوق الأساسية والمهمة التي نص عليها الدستور العراقي الدائم، وقبله الدساتير والعهود والمواثيق الدولية، كون طبيعة أي مجتمع، يتكون من مجموعة من الأفراد، مما يعني وجود مصالح متضاربة وأفكار مختلفة، وربما متنازعة، ما يولد نزاعات وصراعات بين أولئك 
الأفراد.
 فالحصول على الحقوق، سواء كانت الشخصية أو حقوق المجتمع، ونتيجة لتطور الفكر السياسي، تحول من القضاء الفردي إلى الدولة، بوصفها السلطة العليا والجهة الوحيدة التي تصون حقوق مواطنيها وتحمي مصالحهم. ولا يمكن تصور وجود إمكانية لضمان حق التقاضي واسترداد الحقوق مهما كانت طبيعتها، من دون وجود سلطة تطبق القانون بشكل سليم، بعيدا عن الضغوطات السياسية والحزبية، فكون القاضي مستقلا، لا سلطان عليه لغير القانون، لا يكفي وحده، بل لا بد من تيسير إجراءات التقاضي للمواطنين، وتذليل العقبات أمامهم، كي يتمكنوا من المطالبة بحقوقهم بأسهل الطرق 
وأيسرها. 
والقضاء الاداري، ممثلا بمجلس الدولة المشكل بموجب القانون رقم 65 لسنة 1979 المعدل، أبرز مثال على عدم ضمان حق التقاضي، بالنسبة لشريحة مهمة من شرائح المجتمع وهم شريحة الموظفين وبعض الفئات 
الأخرى. 
القضاء الاداري، وكما هو معروف لدى المختصين، ليس جزءا من السلطة القضائية، فهو يمارس عمله بشكل مستقل عنها. 
والسلطة القضائية، ممثلة بمجلس القضاء الأعلى، وكما نص قانون التنظيم القضائي، يمكنها فتح دور العدالة في أي وحدة إدارية، يصل تعدادها إلى حد معين، وهو ما يقوم به مجلس القضاء الأعلى، حيث نسمع بين فترة وأخرى، فتح دار للعدالة في هذا القضاء أو 
ذاك. 
مجلس الدولة، يختلف عن مجلس القضاء الأعلى، من حيث اختلاف طبيعة عمله ونظامه 
واختصاصاته. 
فالمادة 7 من قانون مجلس الدولة في «ف . أولا» نصت على أن يتم تشكيل محكمة للقضاء الاداري ومحكمة لقضاء الموظفين في المنطقة الشمالية وتشمل محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، ويكون مركزها في مدينة الموصل. وفي منطقة الوسط وتشمل محافظات بغداد والانبار وديالى وواسط ويكون مركزها في بغداد. وفي منطقة الفرات الأوسط وتشمل محافظات كربلاء والنجف وبابل والقادسية ويكون مركزها في الحلة. والمنطقة الجنوبية وتشمل محافظات البصرة وذي قار والمثنى وميسان ويكون مركزها البصرة. وكذلك يمكن تشكيل محاكم أخرى للقضاء الاداري ببيان يصدره رئيس مجلس الدولة عن الحاجة والضرورة. وإن الغرض من النص على تلك المحاكم، هو لتسهيل عملية التقاضي لكل المواطنين في جميع المحافظات، ولضمان قدرة جميع المواطنين من الذين لهم حقوق والقانون ينص على أن يراجعوا محكمة قضاء الموظفين أو محكمة القضاء الاداري، فإنه جعل في الوسط والجنوب والشمال محاكم للقضاء الاداري لتسهيل الوصول إليها. وهنا يبرز السؤال: هل تم فعلا تشكيل تلك المحاكم؟ هل توجد محكمة للقضاء الاداري في الوسط والجنوب والشمال؟ للأسف، لا توجد تلك المحاكم، عدا المحكمة التي مقرها في بغداد، والمسؤولة عن البت في جميع طلبات الموظفين والمواطنين في جميع أنحاء العراق! والمواطن الذي يسكن البصرة، عليه مراجعة بغداد لغرض المطالبة بحقوقه، وعليه أن ينتظر أشهرا طويلة من التأجيلات لغرض انتظار الحكم. فهل ثمة مبررات قانونية وسياسية تمنع من تشكيل محاكم للقضاء الاداري كما نص عليها القانون؟