د.صادق كاظم
للكهرباء حكاية متواصلة كل عام وخصوصا في فصل الصيف، حيث درجات الحرارة الاعلى في معدلاتها من بين دول العالم، والتي ترفع الطلب على الشبكة الكهربائية الى حد الذروة وبشكل يفوق طاقة الانتاج الفعلية وبمعدلات كبيرة ومعاناتنا كمواطنين تزداد خلال هذا الفصل نتيجة لتناقص معدلات التجهيز وبشكل كبير، حتى بات حصولنا على نسمات هواء عذبة ومنعشة حلما صعبا.
الفساد والارهاب وغيره عوامل كلها قد تضافرت لاعاقة ايجاد الحلول لهذه الازمة المتواصلة منذ اكثر من 18 عاما، رغم الموازنات والارقام الفلكية التي خصصت والتي ضاعت واهدرت بين اروقة حيتان الفساد الذين التهموا هذه الموازنات لصالحهم، حين قاموا بعقد صفقات وهمية مع شركات لا وجود لها إلّا على الورق، بل ان احدى الصفقات تضمنت شراء لعب اطفال على انها محطات كهربائية.
معظم الوزراء الذين تولوا ادارة ملف الكهرباء الحساس والخطير هاربون من العدالة وملاحقون بتهمة الفساد، وأحدهم اختلس وحده أكثر من مليار دولار، إذ يقيم مع هذه الاموال في احدى الدول الاوروبية بحماية جنسيته الاجنبية التي تمنع تسليمه الى العراق لمحاكمته.
بحسب تقديرات الخبراء فإن البلاد بحاجة الى اكثر من 10 محطات كهربائية كبيرة اضافية لغرض انتاج ما بين 20 - 30 الف ميغا واط فعلية لغرض سد النقص الحاصل في انتاج الكهرباء، وللوصول الى هذا الرقم فإن ذلك يتطلب تأمين مبلغ يصل الى خمسة مليارات دولار لغرض التعاقد مع شركات رصينة وبشفافية عالية لمنع حصول التلاعب في عقودها، مثلما حصل في الماضي مع ضرورة تولي السيد رئيس الوزراء الاشراف المباشر والفعلي على تنفيذها.
حل الازمة ليس صعبا وهناك دول مثل مصر والكويت قد عانت قبل اعوام قليلة من انخفاض معدلات انتاج الكهرباء، وقد عالجتا الازمة بالتعاقد مع شركات عالمية رصينة، إذ تم بناء اكثر من 15 محطة كهربائية أمنت احتياجات البلدين من الكهرباء خلال اوقات الذروة، بل كان هناك فائض تم الاحتفاظ لاوقات الازمة.
العراق لا يفتقر الى الاموال او الكفاءات والقدرات اللازمة لمعالجة الازمة، لكنه يحتاج الى بداية فاعلة وقوية وجادة لفتح ملف الفساد في قطاع الكهرباء وتفكيك شبكات الفساد المهيمنة عليها والمتورطة في عمليات نهب الموازنات والمشاريع المخصصة لها واحالتها الى القضاء، مع وضع خطة رصينة ودقيقة لانشاء مشاريع ومحطات جديدة، فضلا عن وضع خطة أمنية لإزالة التجاوزات على الشبكة وحماية ابراج نقل الطاقة الكهربائية التي تعاني هذه الايام من حرب خطيرة عليها
لتدميرها.
لو عاش الكاتب البريطاني الشهير (وليام شكسبير) في زماننا لادرك حتما بأن العراقيين هم من يستحقون ان يكونوا أبطال مسرحية "حلم ليلة صيف"، حلم بليلة ذات كهرباء تنعش بها مبردات الهواء أجسادهم المنهكة من وطأة حرارة صيف لاهب يقسو عليهم كل عام.