عليّ الفتّال.. (1935 – 2021)

فلكلور 2021/07/07
...

 سعيد عدنان 
 
عرفته أوّل ما عرفته في مكتبته التي كان يبيع فيها الكتب في كربلاء؛ كانت مكتبة واسعة تضمّ شتّى أصناف المعرفة؛ ولعلّها تدلّ في ما تدلّ عليه، أنّ صاحبها يحبّ الكتاب ويُحسن صحبته، وأنّه واسع الاطّلاع يريد أن يضمّ القديم إلى الجديد، والفصيح إلى الشعبيّ المتداول. ثمّ أخذ يزورني بين حين وآخر في رئاسة قسم اللغة العربيّة بجامعة الكوفة، بصحبة لواء الفوّاز فعرفت فيه شاعراً يصغي إلى خلجات نفسه ويقتنص شواردها فيسكنها مقطوعة أو قصيدة تأنس بها روحه. ورأيت طائفاً من الأسى يُلمّ به، لكنّه لا يريد أن يُفصح عنه تمام الإفصاح؛ كنّا في السنوات العشر الأخيرات من القرن العشرين، وكان الجو ثقيلاً على النفوس!
ولد عليّ الفتّال في كربلاء، في سنة 1935، وشرع يسلك سبيل التعلّم، والاستزادة من المعرفة، لكنّ الحياة سلكت به سبيل العمل، وأقبلت به على خوض غمارها، ومزاولة حِرَفِها؛ فقد زاول صناعة الأسرة من جريد النخل، وهي حرفة كانت شائعة في كربلاء، وفي غيرها من المدن التي تحيط بها بساتين النخيل. وزاول صنعة فتل الخيوط وإبرامها، ومنها أخذ لقبه الذي عُرف به. وكلتا الحرفتين حرفة شعبيّة تجعل مزاولها وثيق الصلة بحياة الناس، وطرائق عيشهم. وإذا كان مجرى الحياة قد صرفه، حيناً، عن مواصلة تعلّمه فإنّه قد وقف به على خزين من ذاكرة الناس سوف يمّده، من بعد، في تأليف جملة كتب في التراث الشعبي.
كان يستطيع أنْ يجعل لقبه «الأسدي»، وهو من قبيلة (بني أسد) التي من مساكنها القديمةِ كربلاءُ وظواهرها، وكان يستطيع أنْ يجعل لقبه «الكربلائي» فقد ولد هو وآباؤه في كربلاء، وكان يقدر أنْ يستغني عن اللقب كلّه فيكتفي باسمه واسم أبيه وجدّه فيكون (عليّ كاظم حسن)، لكنّه اتّخذ من صنعته في فتل الخيوط وإبرامها لقباً؛ اعتزازاً بها وبيده التي تعمل.
ومع مزاولة الحِرَف لم يُغفل مواصلة التعلّم والارتقاء فيه درجة درجة، ولم يُغفل ما نشأ عليه من حبّ القراءة والاستزادة من المعرفة في كلّ مناحيها.
سارت حياته في جملة مسارات؛ يلتقي عنده العمل بطلب العلم، والشعر بالتأليف، والفصيح بالعاميّ؛ يريد من ذلك كلّه أن يصنع النافع الجميل.
فقد أصدر من الشعر: «براعم صغيرة»، «الاحتراق بلهيب الشفاه»، «عيناك بداية الحياة»، «الجرح المنتصر» وغيرها. وشعره مزيج ممّا هو خاصّ يصوّر خلجاتِ نفس، ونبضَ وجدان، وممّا هو عام يعرب عن قضايا مجتمعه.
كتب في الدراسة الأدبيّة: «الحبّ في لغة نزار قباني»، «صاحب الشاهر ابن القرى والوطن الشاعريّ». غير أنّ ما كتبه في التراث الشعبيّ يعدّ مادّة أصيلة استقاها، في أغلبها، من أحاديث الناس وحكاياتهم ودوّنها فكفّ يد الضياع عنها؛ فقد كتب: «شهر رمضان في التراث الشعبيّ الكربلائيّ»، «الخير والشرّ في التراث الشعبيّ الكربلائيّ»، «حرف يدويّة وهوايات شعبيّة»، «الطب الشعبيّ» وما سواها.
كتب في ميادين أخرى متباعدة ورائده، في كلّ ما كتب، أنْ تكون المعرفة صحيحة واضحة قريبة من القارئ.
قلتُ إنّي عرفته في مكتبته، أوّل ما عرفته، وإنّ أسباباً من المودّة امتدّت بيننا؛ لكنّ الحياة في مجراها المضطرب لم تُتح المواصلة إلّا بين حينٍ وآخر على تباعد؛ وكنتُ أحسب، حين صار عملي ومسكني في كربلاء منذ خمس سنوات، أنْ يتجدّد ما بيننا، لكنّه كان قد لزم بيته، وثقلت عليه الحياة، ثمّ مضى إلى ربّه نقيَّ السريرة مذكور الفضل في المجالس، تشهد له مؤلفاته الكثيرة بالفضل.