ماذا تعرف عن الجيوش الإلكترونية في العراق؟

علوم وتكنلوجيا 2021/07/07
...

  الدكتور صفد الشمري
يتدفق سيل المعلومات غير المعلومة المصدر، عبر الوسائط الإلكترونية المتعددة، مع اشتداد الأزمات، أو قرب حلول أي استحقاق وطني، بهدف إحداث التشويش على الحقائق المثبّتة، أو بمسعى دفع المزاج العام باتجاه مقصود.. تلك المعلومات يجري نسبها، في العادة، إلى ما يعرف عنه في المجال الرقمي العام بالجيوش الإلكترونية، بينما صار هذا المسمى {الفضفاض} ذريعة الخلاص من وقع البيانات التي يجري تسريبها عن شخص أو جهة، من باب أنَّ {اجندات} مضللِّة تقف وراء نشرها بدوافع {التسقيط}!
 
الجيوش الإلكترونية.. المصطلح الأكثر استخداماً اليوم في العالم للدفاع عن النفس، أو خلط الأوراق، أو حتى للهروب من الحقيقة في أحيانٍ كثيرة، ماذا تعرف عنها في العراق، وهل نملك جيوشاً مثل هذه بالفعل، وما مستوى القواعد التي تنطلق منها ومستويات تنظيمها، وإنْ كانت موجودة بالفعل، فهل هي دائمة الحراك، أم أنَّها تنشط في أوقاتٍ معينة، وهل لها قيادات محلية بعينها أم تدار من محطات في الخارج، وهل يجوز للدولة، بمفهومها المؤسساتي، أنْ تمتلك جيوشاً إلكترونية نظاميَّة، شأنها شأن أي تشكيل عسكري أو أمني تقليدي؟
 
ذاكرة النقاش
الكثير من التساؤلات، تنشط في ذاكرة النقاش الذي يتمحور في حقيقة “الجيوش الإلكترونية”، ولعل أولها مدى فهم المدافعين عنها، أو المشككين بها في حواراتهم النقاشية والإعلامية، إذ إنَّ الخطأ الكبير الذي نقع فيه يتمحور في أساس دلالة “الجيوش الإلكترونية” وفهمنا لها بشكلٍ دقيق، بين تلك الجيوش التي تمتلكها دول العالم والمنطقة، من تشكيلات إلكترونية نظامية، لها تصنيفات سنوية دولية، تهم في الأساس بواجبات الأمن السيبراني، من منطلق حق الدفاع عن النفس، والذي يمكن أنْ يكون على شكل هجمات سيبرانية، بالضد من دول أخرى، او مجموعات تهدد مصالح الدولة، وبين تلك المجاميع المجهولة في المجتمعات المحلية، التي تشهن حروبها الإلكترونية، لقاء أجر معين، ولفترات محددة.
هذا الخلط في المفهوم.. ضيّع من فرص الإفادة من تلك الجيوش، التي صار امتلاكها بحد ذاته في العراق تهمة، فكل ناشط على الإنترنت يسهم في نشر وعي معين، قالوا عنه انه من “الجيوش الإلكترونية”، ويتم إرجاع أسس نشر كل معلومة تتناول شبهات فساد في قطاع عراقي أو مؤسسة، إلى {جنود تلك الجيوش} المجهولين للرأي العام.. في مقابل فضاءات إلكترونية فاعلة ومؤثرة في مجالات التحريض والتأليب ونشر الرعب والأكاذيب وزعزعة السلم المجتمعي، أو استهداف شخصيات ورموز ومدن ومؤسسات..!
 
إيدز الانترنت
بين هذا الكم الهائل من المعلومات الحقيقية أو المدججة بالتحريفات والأكاذيب، وبين سيل الاتهامات المتدفق من دون انقطاع بشأن عائدية مواقع أو قنوات أو صفحات إلكترونية أو شخصيات ناشطة إلى اجندات خارجية، بالدليل القاطع أو من دونه.. فإنَّ السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة وافية يتموضع في: ما حقيقة الجيوش الإلكترونية في العراق؟
نحاول أنْ نقدّم اليوم توصيفاً عاماً لما يجري من فوضى إلكترونية في البلاد في هذا المضمار، أثرت بشكل كبير في القطاعات الحكومية والأهلية، على تعدد أنواعها ومستوياتها، وعطّلت الحياة في أحيانٍ عدة في الكثير من المفاصل، قال المتحدثون الرسميون أو الحزبيون إنَّ من يقف خلفها حملات تقودها {الجيوش الإلكترونية}.
فهل لدينا في العراق مثل تلك الجيوش؟، وما هي إمكانياتها وعائدياتها؟، بالقياس إلى أشهر الجيوش الإلكترونية النظامية في العالم، والتي تتقدمها {مجموعة شنغهاي} الصينية، التابعة للجيش الصيني، ومن ثم {سايبر كوماند}، الإميركية، فالوحدة {العسكرية الإلكترونية} الروسية، والجيش الإلكتروني التابع للموساد الإسرائيلي {تلبيوت}.
من حيث المبدأ.. فإنَّ الجيوش الإلكترونية هي: وحدات إلكترونية نظامية تتبع مؤسسات عسكرية أو مخابراتية، ويعلن عنها في الغالب بشكل رسمي على أنها {جيوش إلكترونية}، إذ تفيد الإحصائيات المتوفرة بأنَّ 29 دولة تعلن رسمياً بأنَّ لديها وحدات جيش إلكتروني، تقول إنها للدفاع عن نفسها بالضد من الهجمات السيبرانية المعادية والرد بالمثل عليها، وإنَّ 49 دولة أقرتْ بشرائها لبرامج قرصنة إلكترونية، في مقدمتها ما يعرف ببرامج هجمات (DDOS) أو ما يعرف بـ(إيدز الانترنت)، الذي يعمل على تعطيل المفصل الإلكتروني الذي يلج إليه بالكامل وتدمير محتوياته من دون رجعة، في حين إنَّ 63 دولة أخرى تقول إنَّ لديها أدوات تجسس الكتروني دولية ومحلية.. فأين العراق من كل هذا؟
 
الحسبة العراقيَّة
حتى هذه اللحظة.. فإنَّ أية مؤسسة عراقية حكومية لم تعلن أنها تمتلك وحدات لجيش إلكتروني، على الرغم من أنَّ الحروب الإلكترونية صارت الضرب الخامس من الحروب على مستوى الحروب التقليدية: العسكرية والسياسية والاستخبارية والاقتصادية، بل صارت في مقدمتها، وهي دعوة لمؤسستنا الرسمية بأنْ تتبنى مثل هذا النمط السائد على مستوى العالم، لمواجهة التحديات وهجمات الإرهاب الإلكتروني، الذي تقول عنه دولة متقدمة مثل بريطانيا إنه من أربع أخطر تحديات تواجهه المملكة المتحدة اليوم، فكيف الحال مع العراق 
اليوم؟.
أما ما يجري العمل بموجبه لدينا، من صفحات أو قنوات أو مساحات إلكترونية تستهدف إحداث الفوضى والتدمير، فإنَّه يكمن تحت حدود ما يسمى بـ{الذباب الإلكتروني}، الذي تكون إمكانياته أقل بكثير مما تقوم به الجيوش الإلكترونية النظامية، وقد يتبع سفارات أو شخصيات أو أنه يرتبط بجيش إلكتروني نظامي في الخارج، إلا أنَّه لا يرتقي إلى وصفه بمسمى {الجيش الإلكتروني} على مستوى العالم، الذي يتميز بنظاميته، ومشروعيته من خلال الأهداف الدفاعيَّة التي تعلن عنها المؤسسة التي يعود إليها ذلك الجيش وتعلن عنه 
رسمياً.
 
الذبابة والجيش
لا ينبغي وصف الأوعية الإلكترونية ذات الأجندات المشبوهة، بمختلف توجهاتها بالجيوش الإلكترونية، بل هو {الذباب الإلكتروني}، الذي يكون آلية عمله بضم إحدى الصفحات أو المواقع أو القنوات الإلكترونية المعروفة، ولديها الجمهور الواسع إلى جهة معينة لتأييدها وضرب مناهضيها لقاء مبلغ مقطوع أو دفعات متتالية من الأموال، تستخدم فيها المنشورات النصية والصورية والفيديوية، إذ صار الفيديوغرافيك من أهم الفنون لتمرير رسائل تلك الأوعية بالنظر لعناصر الجذب للمتلقي التي تكمن في المؤثرات الصورية والصوتية، ناهيك عن أعمال الدراما الكوميديَّة، والرسم بتقنيات متعددة الأبعاد.
وهناك آلية أخرى لعمل هذا {الذباب}، الذي صار بمنزلة {جماعات الضغط} المؤثرة في حراك الرأي العام، تكون عن طريق تكليف خمسة أشخاص على سبيل المثال، يطلق عليهم وصف “كتيبة”، يقوم كل واحد منهم بفتح العشرات من الحسابات الوهمية والمنتحلة، تصل بمجموعها إلى المئة حساب وهمي، لتأييد صفحة أو شخص أو فكرة ومناهضة الفرقاء بأساليب متعددة، منها التهجم والإهانة والسخرية والتسقيط، إلى جانب الإبلاغ عن الحساب الذي يراد غلقه، فيمكن لتلك {الكتيبة} المتواضعة أنْ تعمل على توفير مئة إبلاغ وهمي، عن حساب أو موقع أو صفحة يراد غلقها، إلى جانب إبلاغات الجمهور المتعاطف معهم بتحريضهم ودعوتهم إلى الإبلاغ عن رابط معين تحت مسمى نصرة قضية أو اتجاه، لغرض إغلاقه، فتصل الإبلاغات في ساعات معدودة إلى مئات الآلاف.
وتكمن دواعي انتماء هؤلاء الأشخاص إلى مثل تلك المجموعات الإلكترونية مرتبطة بالانتماء السياسي أو العقائدي أو الفكري، أو الاتجاه الذي تتبناه الجهة القائمة على تمويل تلك المجموعات المنتحلة، إلا أنَّ أغلب دوافع الولوج في هذه الفوضى الإلكترونيَّة تتمحور في كونها فرصة عمل للشاب الذي لا يجد منفذاً وظيفياً له، لقاء الأجر الذي يحصل عليه بعمله في تلك المجموعات.
والذي يعتاد من خلالها على توجيه الاتهامات وقذف الآخرين واستهدافهم من دون رادعٍ أخلاقي أو تربوي بمرور الوقت، ولا يجد في السب أو الشتم الذي قد يتلقاه بالمقابل من الجهة المستهدفة أو مناصريها عبر التعليق على منشوراته أي تعارضٍ أو تحدٍ لوضعه الاعتباري والنفسي والاجتماعي والأخلاقي.. وهنا تكون خطورة الاستمرار في عمل فئات كبيرة من الشباب بمجال {الذباب الإلكتروني}، الذي يتطلب مواجهته توافر منظومة وطنيَّة للجيش الإلكتروني تحت سلطة الدولة.
 
* خبير التواصل الرقمي