روبرت هانزكر
ترجمة: أنيس الصفار
لايمكن للاخبار ان تبلغ من السوء حداً اسوأ مما بلغته، حين كشف تقرير علمي حديث عن أن كوكب الأرض صار يحتجز الان كميات من الحرارة تعادل ضعفي ما كان يحتجزه قبل 14 عاماً لا غير.
اذا لم يكن هذا التقرير كافياً لأن يصيبك بالدوار ويثير فيك شعوراً بالهلع والمبادرة الى التخلص من الوقود الاحفوري فوراً، بل من لحظة (أمس)، فما من شيء اذن سيمكنه زحزحة المؤشر من اجل تصحيح النظام البيئي العليل لكوكبنا (مصدر المعلومة تقرير نشر في 15 حزيران 2021 عن دراسة اجراها نورمان جي لويب وفريقه).
قبل 33 عاماً قال (جيمس هانسن) في شهادته امام لجنة الكونغرس: (نحن نلمس تأثيرات الاحتباس الحراري، وهي مستمرة بتغيير مناخنا).
منذ ذلك الحين يحاول العلماء قرع اجراس الخطر، محذرين من العواقب التي ستنجم عن غازات الاحتباس الحراري التي يولدها الانسان.
كانت التحذيرات تتلاحق في الواقع منذ 44 عاماً. فقبل شهادة جيمس هانسن امام لجنة مجلس الشيوخ كان هناك تقرير للاكاديمية الوطنية للعلوم في العام 1977 يحذر من ان احراق الفحم سوف يرفع درجات الحرارة عالمياً الى مستويات لا تعود محتملة بحلول العام 2050.
في غضون ذلك، وعلى مدى العقود، كان العمل المنسق يجري على قدم وساق من قبل محور مفندي قضية المناخ، ومن بينهم اعضاء عديدون في الحزب الجمهوري الحاليون والسابقون، لزرع (الشكوك) حول واقع تأثير الانسان في ارتفاع درجات حرارة الارض، وكان هدفهم من ذلك حماية صناعة الوقود الاحفوري. نتيجة لذلك اغلق الطريق بوجه اية سياسات حكومية فعالة لوقف انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
كان آخر من جسد هذا النوع من السلوك المعرقل، وبشكل صادم ومؤسف، الرئيس الاميركي السابق ترامب وحلقة مسؤوليه، مثل بومبيو الذي عبّر عن سروره بكل قصر نظر في خطاب القاه يوم أعلن عن فقد القطب الشمالي جزءاً ملحوظاً من جليده. فقد وصف ذهاب اعظم مصدّ حامٍ لكوكبنا بوجه ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم بأنه حدث ايجابي.
حين كان وزير الخارجية السابق يتحدث كان كوكبنا يحتضر وهو يفقد اكبر وأهم عاكس عملاق للاشعاعات الشمسية المتدفقة على الارض.
هذا العاكس، الذي كان حاضراً منذ اول يوم اكتشف فيه الانسان النار، قد ذهب الان.. فقدناه في غضون عقود قليلة قصيرة من الزمن، والسبب هو غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من احراق الوقود الاحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم.
طبقة مفندي قضية المناخ، لاسيما في أميركا، يتحملون وزراً ثقيلاً بسبب الحالة الراهنة التي آل اليها النظام المناخي لكوكبنا وخروج الأمور عن السيطرة. من المخجل حقاً ان تذهب تحذيرات علماء الأمة، التي بقيت تتكرر على مدى العقود، ادراج الرياح الى ان ادت بالمناخ اخيراً الى حالة طوارئ تهدد العالم بأسره. الحرارة المهلكة اليوم تعذب العالم.
انسجاماً مع هذا النهج سارت وكالات (دونالد ترامب) على طريق دمار البيئة.
سحب العلماء وإضاعة نتاج سنوات من البيانات العلمية التي لن يمكن تعويضها والخروج من اتفاقية باريس للمناخ 2015 سوف تخلد في التاريخ كأسوأ السياسات في تاريخ أميركا.
دراسة لويب التي برهنت على نحو جدير بالرثاء مدى التصاعد المخيف في كميات الحرارة التي يمتصها كوكبنا استعانت ببيانات الاقمار الاصطناعية من خلال اجهزة خاصة تقيس كميات الطاقة التي يمتصها الكوكب على شكل اشعة شمس، وكم منها يعاد بثه الى الفضاء على شكل اشعاعات تحت حمراء، بذا أمكن حساب (اختلال توازن الطاقة).
وجدت الدراسة ان اختلال التوازن هذا قد تضاعف مرتين خلال الفترة من 2005 الى 2019، وهذا مثير للقلق الى ابعد الحدود ويكاد يتخطى حدود الفهم، فجمع البيانات يكشف عن نظام مناخي خارج عن التوازن بدرجة كبيرة وخطر وشيك يهدد الوجود.
في غضون ذلك يأتي تقرير وكالة {ناسا} ليزيد الأمور سوءاً على سوء من خلال تأكيده حقيقة ان كوكبنا بات يمتص ضعفي مقدار الحرارة المعتاد، حيث أعلن أن العام 2020 كان (العام الأسخن على الاطلاق).
وبالرجوع الى جميع البوادر يبدو ان العام 2021 يستعد لتحطيم هذا الرقم القياسي مرة اخرى، حيث تخطت درجات الحرارة العالية الخارجة عن المعتاد في كل مكان من الكوكب سجلاتها الماضية.
كوكب الأرض يعيش حالة (احتراق) حقيقية لم تشهد لها البشرية مثيلاً أبداً ولا أحد يحرك ساكناً على نطاق شامل للأرض كلها.
خلال ذلك يبقى الحديث عن خفض مستويات الحرارة من خلال السيطرة على الانبعاثات على مستوى الدول حديثاً لا قيمة له او فعل، بالإضافة الى اهماله التام للصورة الواسعة بخصوص الفوضى العالمية التي تتطلب وحدة بين الأمم، وإلا فإن الاضواء ستأخذ بالانطفاء قريباً هنا وهناك في كل ركن من الكرة الارضية.
جاء التأكيد على ما قدمته بيانات الاقمار الاصطناعية في دراسة لويب من (آرغو)، وهي شبكة عالمية من المستشعرات منشورة في محيطات العالم تستخدم لقياس معدلات امتصاص المحيطات للحرارة.
أكد هذا وعزز بيانات الاقمار الاصطناعية القائلة بأن كوكب الأرض يحتجز اليوم ضعفي كميات الحرارة التي كان يحتجزها قبل 14 عاماً.
يقول (نورمان لويب) كبير العلماء الذين اجروا الدراسة: (هناك اتفاق حقيقي وعالي المستوى في النتائج التي استخرجت بأسلوبين مستقلين تماماً عن بعضهما لتحري التغيرات الحاصلة في توازن طاقة الأرض، وكلاهما يؤكدان حصول هذا التحول الكبير).
بعد مرور 33 سنة على شهادة (جيمس هانسن) امام الكونغرس تصاعدت انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكاربون على نطاق العالم ككل بنسبة 70 بالمئة ولم تعد الى الانخفاض أبداً في اي سنة من السنين، صعود تلو صعود دون انخفاض على الاطلاق.
حين قدم هانسن شهادته كان الوقود الاحفوري يشكل نسبة 79 بالمئة من مجمل الطاقة العالمية، أما اليوم فقد بلغ 84 بالمئة رغم توربينات الرياح والالواح الشمسية التي نصبت على مدى العقود الماضية التي اعقبت حديث هانسن عن مخاطر انبعاث غازات الاحتباس.
بصراحة اقول ان العالم اليوم يحصد ما استحق ان يحصده، وما عجز عن تمييزه رغم تحذيرات كبار العلماء في العالم.
ذلك الحصاد هو المزيد من الحرارة!.
عن موقع نشرة {كاونتر بانتش