ديمقراطية العراق ورهانات الانتخابات المقبلة

آراء 2021/07/10
...

 رزاق عداي
هناك رأي عمومي وشائع يقول؛ رغم كل العيوب والملاحظات على الديمقراطية، الا انها تبقى افضل نظام ابتكره البشر لادارة امور المجتمع والدولة، فلماذا تتعثر الديمقراطية في بعض تجاربها؟.
 لعل هذا ما حدث مع - هتلر - وحزبه الاشتراكي الوطني، عند وصوله الى السلطة في العام 1933، عندما فرضت الدول المنتصرة في اعقاب الحرب العالمية الاولى وهزيمة الامبراطورية الالمانية، واعلن لها دستور مماثل للديمقراطيات في اوربا
 
فقد صوتت اغلبية الناخبين لمصلحة هتلر وحزبه، الذي كانت افكاره منطلقا لسياسات العنصرية والاستعلائية والتوسعية التي نفذها بعد وصوله الى الحكم وانقلابه على الديمقراطية، فحرق انصاره مبنى البرلمان، والغوا الدستور وفرضوا نظام الحزب الواحد.
تجربة اخرى في اوروبا هي سقوط الجمهورية في اسبانيا على يد الجنرال - فرانكو - في السنوات الاخيرة من ثلاثينيات القرن العشرين، وتجربة - شيلي - في اميركا اللاتينية، التي انتهت بمأساة كبيرة. الديمقراطية كما هو معروف، ليست ايديولوجيا بحتة، اذ هي نظام للحكم يستند الى التعريف الاغريقي، حكم الشعب بواسطة الشعب، كتعريف اولى ومختزل، ولأن هذا التحديد يعبر عن ارادة شعبية عريضة، فهو الشكل المفضل بالمقارنة مع اشكال حكم اخرى، الاستبدادية، الاوليغارشية، الدكتاتورية.
يبدو أن العراق بصدد تقديم نسخة خاصة واستثنائية للتجربة الديمقراطية، بمعالجة جديدة، وبإطلالة مستحدثة تختلف وتتقاطع مع كل تجارب العالم على صعيد التطبيق الديمقراطي. فما دونه الحاكم المدني الأميركي للعراق «بول برايمر»، بعد احتلال أميركا العراقَ سنة 2003، في كتابه «عام قضيته في العراق»، وما كتبه المؤرخون في تاريخ العراق القريب جدا.
إنّ هذا الحاكم كان ينوي - متطابقا مع بنود النظام العالمي الجديد الذي سنته بلاده منفردة قبل ثلاثة عقود من يومنا هذا- أن يؤسس ما يطلق عليه في خطاب الديمقراطيات، بـ «الديمقراطية التوافقية»!على غرار تجارب ناجحة ومثالية في بلدان أوروبا، كسويسرا، والنمسا، وهولندا، هذه البلدان التي تتميز بتنوع مكوناتي - إثني، لا يفيده سوى هذا النوع من مناهج الحكم، الذي يتجسد بإنصاف الأكثريات والأقليات على حد سواء، حتى أنّ بريمر لم يعمد إلى استنساخ تجربة بلاده أميركا ذات الحزبين المتناوبين في الحكم والمعارضة في ديمقراطية نقية ونزيهة، فأخذ على عاتقه زراعة شجرة الديمقراطية الوارفة في تربة أرض الرافدين التليدة، بعد إسقاط نظام دكتاتوري.
ولكن سرعان ما انحرف إيقاع هذه الديمقراطية عن مساره، لتتحول البوصلة إلى توافقات متحاصصة ومتغانمة بين قوى وأحزاب العملية السياسية، فأنتجت مخرجات غير حميدة، أبرزها الفساد بشتى صنوفه، السياسي والمالي والإداري، ثم تبعه مسلسل مستمر ولا متناه من أزمات تلاحقت وتفاقمت حتى يومنا هذا، ابتدأت بحرب أهلية محدودة لم تلبث أن همدت، لتتحول البلاد إلى مسرح لإرهاب أسود، باشرته منظمة القاعدة، لينتهي باحتلال عصابات داعش المتوحشة ثلثَ مساحة البلاد، ناشرة الموت والخراب.
ترى أهي أزمة الديمقراطية عموما أم هي أزمة ديمقراطيتنا؟ لعل الانتخابات المقبلة في العاشر من تشرين هي آخر من ينبئنا على مستقبلها ومستقبل العراق معا.