لقاحات كورونا ومسؤولية المجتمعات

آراء 2021/07/11
...

 ابراهيم سبتي
 
في الشهور الاولى لانتشار جائحة «كوفيد-  19»، تسابق العلماء واطباء الفايروسات على اطلاق التصريحات والتعليقات التي مفادها بأن احد اهم وسائل الحماية الآمنة من الفايروس هي مناعة القطيع ويقصد بها اصابة 60ـ  70 بالمئة من الناس في كل بلد.
وظلت هذه النظرية تتداولها المنظمات العالمية وتثقف لها وكأنها تريد القول بأن الفايروس يجب ان يُسمح له بإصابة جميع المواطنين او الاعم الغالب منهم في كل دولة لإيقافه عن الاصابة المميتة.
لكن هذه النظرية لم تُطبق على ارض الواقع لأسباب كثيرة، أهمها ان الفيروس لم يتساو في نشاطه واختلف من بلد الى آخر.
فأصاب في مقتل ما اصاب في حين تأخرت الاصابات بعض الشيء في دول اخرى، فتلاشت النظرية التي لم تنجح ابدا.
ولم نسمع بأن المناعة المجتمعية الجامحة للفيروس قد عملت على صناعة السدود القوية في أي بلد من البلدان التي ضربتها الجائحة.
وبعد سباق محموم لصناعة لقاح فعّال ضد الفيروس، انتجت كبرى الشركات العالمية لقاحاتها بزمن قياسي ادهش العالم، لاسيما ان اللقاحات السابقة المعروفة على مر التاريخ، كانت تنتج بزمن يحسب بالسنوات ومنها من استغرق اكثر من عشر سنوات وربما اكثر.
وعندما ضرب الفيروس الدول المتقدمة، سرعان ما انهار النظام الصحي فيها وانتشر الوباء فيها كانتشار النار في كومة قش هشّة وسجلت الضحايا ارقاما مخيفة يوميا.
فصار ايجاد اللقاح امرا ملحّا لانقاد المجتمعات التي صارت مرتعا للفيروس وهذا ما حصل فعلا.
فزفّت منظمة الصحة العالمية اخبار تصنيع اللقاحات ونجاحها في تجاربها، مما سمحت لتلك الشركات بتسويق انتاجها الى جميع الدول وبدأت عملية التطعيم التي تباينت من دولة الى اخرى، حتى بلغ عدد الجرعات التي اعطيت للسكان الذين توزعوا بين خارطة العالم بأكثر من ثلاثة مليارات جرعة حتى الان، وهذا يعني أن ثلث سكان العالم قد حصلوا على التطعيم.
 في العراق بدأ التطعيم ضد الفيروس يأخذ مداه متذبذبا بين الناس، الذين تفاوتوا في القبول والرفض في التوجه للحصول عليه، وفي آخر بيان لوزارة الصحة يقول بأن تلقيح 60 بالمئة من سكان العراق ربما يخلق مناعة مجتمعية ضد الوباء.
وهذا ما يتطلب وقتا وجهدا من اجل بلوغ هذه النسبة.
وربما يتساءل البعض عن مدى مصداقية هذا اللقاح ونجاعته، وافضل الاجوبة تكون مستندة الى العلمية وبعيدة عن الاجتهادات الشخصية والتخيلات.
فنحن جزء من العالم وهذا يعني بأن سكان جميع الدول منها المتقدمة والنامية والفقيرة قد حصلت على اللقاحات.
إن الجائحة تسببت خلال عامين بخسائر اصابت الاقتصاد العالمي بترليونات من الدولارات، الامر الذي لم يحدث من قبل الا نادرا.
فأصيب الاقتصاد وقطاع السفر والسياحة والصناعة والتجارة بالشلل التام، فبدأت تتسابق الدول لرفع الحظر والحجر الصحي على مراحل لعودة الحياة الى طبيعتها، رغم ان الوباء لم ينته وربما سيبقى معنا لسنوات طويلة، او قد يختفي في فترة قريبة وهذا امر متروك للمختبرات العالمية.
ان بلوغ نسبة 60 بالمئة لصناعة مناعة مجتمعية يتطلب توسيع وزيادة عدد منافذ اخذ اللقاح، لكي يتمكن الكثير من المواطنين من الحصول عليه ومنع ظهور سلالات جديدة اشد فتكا من التي ظهرت خلال تحورات الفيروس، وسببت رعبا بين الناس.
ان الاهمية الستراتيجية لتطعيم السكان، هي مطلب لكل حكومات الدول التي تسعى لردم الهوة بين قناعات الناس وبين العلم والتقنية الحديثة التي ادهشت المهتمين، خاصة اننا ازاء تطور فريد في تصنيع اللقاح، الذي ضرب رقما قياسيا في مدته، ما جعل الحكومات توقع العقود مع الشركات المصنعة للتطعيم وحصر الفيروس.
وبذا تكون مقولة مناعة القطيع قد أخذت تتسع ولكن ليس بعدد الاصابات بين الناس، انما بعدد المليارات التي حصلت على اللقاح.