التأثير الستراتيجي لتحديات الأمن السيبراني

آراء 2021/07/11
...

 د. سيف الدين زمان الدراجي 
هناك العديد من التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار والازدهار العالمي في السنوات العشر المقبلة؛ ومع تنامي الاعتماد بشكل كبير على التكنولوجيا وسرعة انتقال المعلومات، يبرز مفهوم الأمن السيبراني كأحد أهم هذه التحديات على المستوى الستراتيجي لما له من تأثير وطني ودولي. تتخذ الدول تدابير دائمة ومتطورة من أجل ان تكون مستعدة لمواجهة مخاطر التهديدات السيبرانية على بنيتها التحتية ضمن فضاء معلوماتها الرقمية وما يرتبط بنشاطاتها على مواقع الشبكة العنكبوتية العالمية، والتي تستدعي تعزيز وتعضيد مقومات ترسانتها الالكترونية بالاعتماد على عناصر قوتها الوطنية وبالمشاركة مع القطاع الخاص لتفادي عواقب الإضرار بمصالحها الستراتيجية ومرتكزات أمنها القومي.
تخصص الدول الموارد المالية وتركز بشكل كبير على تطوير قدرات ملاكاتها البشرية العاملة في هذا القطاع الحديث والدائم التطور، من أجل تعزيز دورها الدولي والاقليمي، وبما يضمن توفير بيئة صحية آمنة وملائمة لتشجيع الاعمال وجلب رؤوس الاموال والاستثمارات، خدمة لمصالح شعوبها وتأكيدا على دورها في تحقيق الامن والاستقرار والازدهار على المستوى المحلي والدولي، في ظل عالم غامض ونظام دولي معقد، مرتبط بشكل كبير عبر شبكة عنكبوتية دولية، خلف شاشة الكترونية تُظهر لنا كماً هائلاً من البيانات والمعلومات الشاملة لقضايا آنية ومستقبلية ذات بعدِ عملياتي وآخر ستراتيجي.
 قبل الخوض في تأثير التحديات الستراتيجية لقضايا وتحديات الأمن السيبراني، لا بد من توضيح معاني بعض المصطلحات للقراء والمهتمين بهذا القطاع الحيوي والستراتيجي المهم.
يُعرّف مصطلح «الاستقرار العالمي» بأنه «خاصية النظام الذي لا ينتج عند حصول اضطراب طفيف في حالة ما داخله، تأثيرًا مقلقاً للغاية او مهددا لوجوده».
في المقابل، يوصف «الأمن العالمي» بأنه مجموعة الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدول والمنظمات الدولية عندما تواجه تهديدات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية 
وبيئية.
في ما يتعلق «الرخاء العالمي» بتحسين الحالة الاقتصادية للدول لتعزيز أمنها القومي وتحسين ظروف الحياة للمواطنين وبما يسهم في تعزيز مقومات الامن والسلام العالمي.
تحديات الأمن السيبراني
يعيد الفضاء الإلكتروني تشكيل السياسة والاقتصاد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، إذ تعتمد العديد من هذه المجتمعات والشركات على التشغيل المستمر للآلات الرقمية لتقديم الخدمات المهمة مثل المستشفيات والتمويل والاتصالات وغيرها من الأغراض العسكرية والمدنية.
ونتيجة لذلك، يواجه مستخدمو الإنترنت العديد من التحديات، الامر الذي يتطلب استجابة أمنية على اعلى المستويات لمواجهة تلك التحديات وتقليل المخاطر الناجمة عنها.
إن مفهوم «الأمن السيبراني» يُعدُ مصطلحاً حديثاً ماضيا بالتطور على نحو سريع للغاية. 
وبينما يهتم بحماية الفضاء الإلكتروني من تهديدات الجريمة الإلكترونية والإرهاب السيبراني والهجوم الإلكتروني من قبل الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية، فإنه يتعامل مع حماية شبكات وأنظمة الكمبيوتر من الهجمات، التي يمكن أن تعرض الأجهزة أو البرامج أو المعلومات للخطر، لاسيما ان هذه الهجمات قد تؤدي إلى تسريب معلومات خاصة، فضلاً عن إلحاق الضرر أو خلق الفوضى لزعزعة الاستقرار والدفع باتجاه زيادة الاضطراب على مختلف الأصعدة «سياسياً، أمنياً، اقتصادياً وعسكرياً».
على الرغم من الفرص الجديدة التي أوجدها الابتكار السيبراني والتي ساهمت بشكل كبير في دفع عجلة التطور التكنولوجي، إلا أنها تنطوي على مخاطر أمنية كبيرة، لعل أعظمها هو «أمن المعلومات» «البعض الآخر هو إدارة المخاطر، والتنظيم، وإدارة البنية التحتية، والتعافي من الكوارث».
يقول «كافيلتي وفينجر»: إن «سياسة الأمن السيبراني معنية بسوء تطبيق التقنيات الرقمية من قبل الأفراد والشركات والحكومات، للأغراض السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وهي تشمل من يطور التكنولوجيا وكيف يتم استخدامها ومن يحدد أطر استخدامها أو إساءة استخدامها».
 
التأثير الستراتيجي
«يُعَرَّف التعطيل أو الاتلاف» بأنه عمل خبيث ومتعمد يؤدي إلى تعطيل المهام الروتينية والميزات والقدرات الالكترونية، بما في ذلك إلحاق الضرر بالمعلومات والمعدات أو تدميرها.
أما «التجسس السيبراني» فهو عملية الحصول على المعلومات «السياسية والعسكرية» والأسرار دون إذن من المالك، للحصول على ميزة التفوق على الأفراد والمنافسين والجماعات والحكومات.
ويتم تنفيذ عمليات التجسس السيبراني من خلال خوادم بروكسي، وبرامج ضارة، وفايروسات وديدان، وأحصنة طروادة، وبرامج تجسس.
حيث يكون الجناة هم عصابات الجريمة المنظمة، أو الحكومات، أو الأفراد. 
 ويعرف «التخريب» بأنه «الأنشطة التي تهدف إلى التأثير في السياسات المحلية للبلد المستهدف».
وفي الحرب السياسية، يقوض التخريب السيبراني قوة وسلطة النظام السياسي أومؤسسات الدولة، ويهدف إلى تحقيق تأثير ستراتيجي من دون استخدام القوة.
تعمل الحكومات بشكل متزايد على جعل الأمن السيبراني جزءا من صنع سياساتها الأمنية الوطنية والدولية، لأنها تسعى إلى حماية نفسها من المخاطر والتهديدات التي قد تزعزع استقرار أمن الدولة واقتصادها.
ومن هنا تبرز الحاجة الى إبرام الاتفاقيات وتعزيز وتطوير البروتوكولات مع مجتمعات الأعمال والوكالات الدولية حول «تحديد الأدوار والمسؤوليات والحدود القانونية وقواعد السلوك المقبولة».
على سبيل المثال، ولأسباب تتعلق بالأمن القومي، استبعدت الحكومة البريطانية شركة Hauwei المملوكة للصينيين من شبكة 5G البريطانية.
عموماً في المجتمعات الغربية، لا يزال التقدم الرقمي مدعوماً بالشركات الخاصة، في حين تنظم الحكومات عملياتها وتسعى لتطوير إمكانياتها وقدرات ملاكاتها المتخصصة؛ وتشريع قوانينها المنظمة لأوضاعها الالكترونية وتعزيز وعي مواطنيها وثقافتهم
 المعرفية.
لقد أصبحت الهجمات الإلكترونية جزءا من الحياة اليومية؛ ومن المفارقات، أنه كلما ازداد عدد أماكن العمل والحكومات رقمنة، كلما أصبحت أكثر عرضة للإصابة، ومن ثمّ فإن أجهزة الأمن القومي المتخصصة ستشارك بشكل متزايد في تحديد ومواجهة الاثار الستراتيجية لقضايا الأمن السيبراني، ضمن ستراتيجياتها التي تربط التكنولوجيا الرقمية بالسياسة العامة للدولة من حيث التنظيم والحوكمة.
من المؤكد أن اجتماع البشر والتكنولوجيا معًا في بيئة الكترونية مستقبلية سيؤدي إلى نتائج إيجابية وسلبية.
وبالتالي، سيحتاج الأمن السيبراني والتنظيم والحوكمة الرقمية إلى إعادة تقييم منتظمة وتوسيع لدوائر البحث والتطوير والمتابعة على نطاق أكبر، لمواكبة عجلة التطور و ما تحمله من فرص ونقاط ضعف ومخاطر وتحديات.
الامر الذي يتطلب نهجًا تعاونيًا متعدد الجوانب من قبل الحكومات لتحسين الاداء وتعزيز الأمن والاستقرار وبناء الثقة بين المجتمعات.