تحدث خبراء أتراك في السياسة الخارجية عن أسباب وجود تركيا عسكريا في سوريا ونشرها قوات في مناطق واسعة بينها جرابلس والباب وعفرين وإدلب ومحيط منبج، في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة الأميركية العمل على سحب قواتها من شمال وشمال شرق سوريا حيث تنتشر تنظيمات مسلحة كردية معادية لأنقرة. ويرى الخبراء أن تركيا، التي تنسق وجودها في سوريا بعد الانسحاب الأميركي مع كل من واشنطن وموسكو وطهران، أقرب إلى موسكو وطهران بعد أن خدعتها واشنطن عبر دعم التنظيمات الكردية بحجة محاربة زمر داعش الإرهابية، متنكرة للشراكة في إطار حلف شمال الأطلسي - ناتو.
أسباب الوجود العسكري
ويقول مراد أصلان، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة حسن كاليونجو التركية، في حديث لـ»الصباح»، إن «تركيا تدخلت في سوريا لثلاثة أسباب أولها المحافظة على الأمن في الحدود».
وتعمل الحكومة التركية منذ سنوات على مسك الحدود مع سوريا الممتدة لأكثر من 900 كيلومتر.
ويتابع أصلان أن «السبب الثاني هو تطهير مناطق شمال وشمال شرق سوريا من المجموعات الإرهابية الموجودة فيها».
وتطلق أنقرة صفة المجموعات الإرهابية على التنظيمات الكردية المعادية لها وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية.
ويضيف أصلان «أما السبب الثالث فهو جعل مناطق شمال وشمال شرق سوريا آمنة، وتشجيع المدنيين المهاجرين للعودة إليها، لأن المهاجرين الذين يواجهون خطر الموت من المستحيل عودتهم إلى تلك المناطق في وضعها الحالي».
وكشف خلوصي أكار وزير الدفاع التركي، في مؤتمر ميونخ للأمن هذا الأسبوع، عن خطة للسيطرة على «منطقة آمنة بطول 440 كيلومترا شرق نهر الفرات، بعد تطهيرها من إرهابيي وحدات حماية الشعب» وهي مساحة كبيرة تكاد تكون مساحة دولة أو دويلة.
وتتصدر الأجندة التركية هذه الأيام مسألة إعادة المهاجرين السوريين إلى «المنطقة الآمنة» المزعومة.
وشهدت اسطنبول، الثلاثاء الماضي، انعقاد المؤتمر الوزاري لعملية بودابست المعنية بإدارة ملف الهجرة، بمشاركة ممثلين عن 52 دولة، ومراقبين عن 7 دول، و14 منظمة دولية.
وقال رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي، في المؤتمر: إن «إبقاء اللاجئين داخل حدودنا لا يمكن اعتباره الطريقة المثلى لحل مشكلة الهجرة التي مصدرها سوريا».
ويعلق أصلان بأن «تركيا تحملت كلفة مالية كبيرة بسبب استقبالها للعدد الهائل من المهاجرين». ويأسف لأن تركيا «عندما طلبت من دول الغرب تسديد الكلفة؛ بدأت تلك الدول بالاعتراض والتباطؤ في الاستجابة للطلب».
وتخضع إقامة المنطقة الآمنة في سوريا وإعادة المهاجرين إليها لحسابات بينها سحب الولايات المتحدة الأميركية لقواتها.
ويرى أصلان أن «سحب القوات الأميركية يمكن أن يصنع فراغا، وإذا ملأت التنظيمات الإرهابية هذا الفراغ، فسيتسبب بعدم استقرار واختلال ينعكس على تركيا»، معتقدا بأن «تركيا ستخطط كيفما تخطط الولايات المتحدة، وستواصل عملياتها العسكرية بعد الانسحاب».
بين روسيا وأميركا
ولا تقتصر مباحثات أنقرة بشأن ترتيب المنطقة الآمنة على الجانب الأميركي، بل تنفتح على الجانبين الروسي والإيراني بوصفهما حليفين لدمشق ولهما مصالح على الأرض أيضا.
وأظهرت قمة سوتشي الأخيرة بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران تقاطعات بشأن المنطقة الآمنة ومن يسيطر عليها، بل وعلى كامل التراب السوري.
ويقول محي الدين أطمان، رئيس قسم السياسة الخارجية في معهد سيتا للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حديث لـ»الصباح»، إن «أزمة سوريا، وعندما ندقق فيها، نكتشف أن تركيا تعمل مع روسيا بشكل أسهل مما تعمل فيه مع الولايات المتحدة». ويستدرك «في الواقع كلاهما يعملان باتجاه معاكس، ومثال على هذا؛ في حين يريد أحدهما أن يقوي نظام الأسد؛ يريد الآخر أن يقوي التحالف ضده، وكلاهما يريد أيضا طلاء الأمور بلون شفاف عبر توضيح الحدود وتذليل المشاكل».
ونجحت تركيا وروسيا في إدامة اتفاق وقف إطلاق النار والتصعيد في إدلب المعقل الأول لمعارضي دمشق والكثير من الجماعات المتطرفة، على الرغم من اختلافهما بشأن تصفية هذا المعقل، على غرار ما حدث في معاقل سورية أخرى وضعت دمشق يدها عليها.
وأخفقت تركيا والولايات المتحدة، في المقابل، في إدامة اتفاق خارطة طريق منبج لإخراج التنظيمات الكردية من المدينة السورية وتشكيل إدارة محلية جديدة فيها.
ويفيد أطمان، أحد أركان معهد سيتا الذي يقدم دراسات وتوصيات واستشارات للحكومة التركية، بأن «قصة الأمن بين روسيا وتركيا، من وجهة نظري، أكبر من أميركا وتركيا، والنقطة الفاصلة هي الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب تحت خطة باسم القضاء على داعش».
ويعبر أطمان، وهو أحد منتجي الأفكار للسياسة الخارجية التركية، عن أسفه لأن «في هكذا مواضيع الولايات المتحدة خدعت تركيا، وبإمكاننا أن نراها في وضع عدو بالنسبة لتركيا». ويستطرد «غير هذا فإن الولايات المتحدة لم تظهر أولوية للتحالف مع تركيا (في إطار حلف شمال الأطلسي – ناتو)، بل أضرت التحالف بسبب تحركاتها الغريبة والخاطئة».
وجدد إردوغان، هذا الأسبوع، انتقاد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، كما طعن بشراكة حلف الناتو في ظل استمرار دعم واشنطن للتنظيمات الكردية المعادية لأنقرة وتسليحها.
وقال أمام أنصاره في مدينة بوردور مخاطبا الأميركان «ترسلون 23 ألف شاحنة أسلحة للإرهابيين بالمجان، وتمتنعون عن تزويد تركيا بالأسلحة، على الرغم من أنني أقول لكم سأدفع ثمنها، أي تحالف هذا؟ أي شراكة هذه؟ هل هذا تصرف يليق بحليف في الناتو).
ويعول أطمان على التغيير الذي حدث في مناصب المسؤولين الأميركيين المختصين بالشأن السوري بعد قرار الإدارة الأميركية الانسحاب من سوريا، ذاهبا إلى أن «استقالة ماكورك وقدوم جيمس جيفري يمكن أن تحقق خطوات إلى الأمام».
ويستنتج أطمان أن «العلاقات التركية الأميركية تحتوي على مشاكل، أما العلاقات التركية الروسية فتحتوي على مشاكل، ولكن مع احترام وتفاهم».