بين وارسو وسوتشي وميونيخ

قضايا عربية ودولية 2019/02/20
...

صالح الشيخ خلف
 
ثلاثة مؤتمرات دولية لها مصلحة بقضايا الامن والسلام والحرب عقدت الاسبوع الماضي وفي وقت متزامن.
الاول مؤتمر وارسو الذي ناقش الامن والسلام في الشرق الاوسط الذي تزامن مع قمة سوتشي التي خصصت للمسالة السورية ، فيما كان الثالث اجتماع ميونيخ للامن في نسخته الخامسة والخمسين الذي يأخذ على عاتقه رسم ملامح الخارطة الامنية المستقبلية في العالم .
المؤتمرات الثلاثة لن ينتج عنها انفراج في علاقات الكبار او حل للقضايا الملحة والمشكلات المزمنة التي ارادت التفتيش عن الامن الدولي الضائع كمن « يبحث عن ابرة في كومة قش » على حد تعبير صديقنا الدكتور خطار ابو ذياب .
مؤتمر وارسو كانت يافطته العريضة مواجهة النفوذ الايراني في منطقة الشرق الاوسط ، وايجاد تحالف دولي موجه ضد ايران، الا ان النتيجة التي خرج بها هو استبدال ايران باسرائيل كعدوة لدول المنطقة، مقابل قبول اسرائيل كلاعب اقليمي من حقه الدفاع عن نفسه في مواجهة المقاومة التي يتلقاها من الشعب الفلسطيني ومن حلفائه في المنطقة .
اللافت في هذا المؤتمر مقاطعة فرنسا والمانيا ومعهما المنسقة الاوروبية للشؤون الخارجية ، كما قاطعته دولة فلسطين وروسيا وتركيا في حين حظر رئيس الوزراء الاسرائيلي نتن ياهو باعتباره « بطل الفيلم » الذي كان مقتنعا بانه لن يسمع اي انتقاد له او لكيانه او لسياسة حكومته في ترسيخ الاحتلال وقمع الشعب الفلسطيني ، بل على العكس كان موعودا بطاولة تجمعه بمسؤولين عرب حضروا المؤتمر ، وهذا ماحدث .
المؤتمر عنوانه كان «الامن والسلام في منطقة الشرق الاوسط » لكنه قال كل شيء ماعدا السلام الذي تعرّفه شعوب ودول المنطقة بانه لايمكن له ان يتحقق في ظل الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية .
تزامن هذا المؤتمر بقمة ثلاثية روسية ايرانية تركية عقدت في مدينة سوتشي الروسية اختارت توقيتها بعناية لتعطي رسالة واضحة بان الامن والسلام في الشرق الاوسط يتحدد في سوتشي وليس في وارسو وينطلق من سوريا بعد الانسحاب الاميركي منها .
اما اجتماع ميونيخ فانه على عادته حمل هموم محادثيه التي تقاطعت بمصالح متشابكة ، لكن من غير العادة ألا يتفق على تصور موحد لآلية حل المشكلات المزمنة في العالم .
الاوروبيون كان لهم همومهم الامنية بعد خروج بريطانيا من اتحادهم العتيد، في الوقت الذي كانوا فيه وجها لوجه امام مطالب الرئيس الاميركي بشان حلف شمال الاطلسي الذي يشكلون عموده الفقري ، فيما القلق مازال يساورهم بشان قضايا قلقة تتعلق بدول اوربا الشرقية والعلاقة مع روسيا .
دول اميركا اللاتينية لديها مشاكل امنية متراكمة تنعكس على الاوضاع الاقتصادية ، وكل عام لديها مشكلة كان اخرها وليس اخيرها فنزويلا .
روسيا والصين تبدوان الاكثر ارتياحا في هذا العالم المتحرك . فالصين معتدة باقتصادها ، وروسيا تلوح بحلفائها الجدد « تركيا وايران » الذين يمسكون برمال الشرق الاوسط المتحركة ، فيما عينها على الانسحاب الاميركي من سوريا وما تفعله العقلية الترامبية في البيت الابيض .
وفي ظل هذا المشهد الامني والسياسي الدولي، تجد الدول الاقليمية في الشرق الاوسط نفسها معنية للحفاظ على تداعيات التطورات المرتقبة .
فايران تحاول مع الاوروبيين الحفاظ على صمود الاتفاق النووي ، وسوريا تستعد لإعلان القضاء على اخر جيوب داعش في مدينة ادلب مع اصدقائها في طهران وموسكو وبيروت ، فيما العراق يترقب معادلات تطور الاوضاع في سوريا ومآلات التواجد الاميركي في العراق بعد الانسحاب من سوريا ، في الوقت الذي تراقب فيه كافة الاوساط التطبيع العربي الاسرائيلي الذي اراد الجانب الاميركي مأسسته في وارسو .
ويبدو ان ايران اختارت ستراتيجية عدم مواجهة اسرائيل انطلاقا من الاراضي السورية مشددة في ذلك على الدور الذي تطمح ان تلعبه في مستقبل مدينة ادلب وملء الفراغ الحاصل في شرق الفرات بعد الانسحاب الاميركي ، خصوصا وان المباحثات الروسية التركية بشان هذه المنطقة في مراحلها الاخيرة ، حيث تعتقد طهران ان الخط الذي يربط ايران بالعراق وسوريا ولبنان مهم للوضع الامني في المنطقة في مرحلة مابعد داعش .