تقدم قوات طالبان المتسارع

آراء 2021/07/15
...

 إيشان ثرور
 ترجمة: أنيس الصفار    
                                           
حركة طالبان تزحف متقدمة، ففي الاسبوع الماضي اكتسح متمردوها سلسلة من الولايات في الجزء الشمالي من افغانستان، وفي فوضى تقهقرهم اليائس فر يوم الاثنين الماضي اكثر من 1000 جندي أفغاني حكومي من اقليم بداخشان عبر الحدود الى دولة طاجيكستان المجاورة، وهذه هي ثالث موجة فرار الى طاجيكستان من هذا النوع تقع خلال ثلاثة ايام فقط، والخامسة في غضون اسبوعين من منطقة كانت قبل عقدين من الزمن من معاقل المقاومة بوجه طالبان.
المناطق الحدودية الشمالية من أفغانستان اخذت ترسل إشارات مقلقة تنبئ عما سيأتي لاحقاً، لذا استدعى الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن نحو 20 ألف جندي من قوات الاحتياط الى المناطق الحدودية، في حين يفيد تقرير لوكالة رويترز بأن هذه الدولة (التي تعد الأفقر في منطقة آسيا الوسطى) تدرس فكرة اعداد مخيمات لاجئين تحسباً لحدوث موجة فرار للمدنيين الأفغان. 
كذلك تركت السلطات الطاجيكية المعابر الحدودية التي تسيطر عليها طالبان في الجانب الأفغاني مفتوحة، بما فيها الجسر الرئيس على نهر باياني بمنطقة {شيرخان بندر} الذي بناه فيلق مهندسي الجيش الأميركي في 2007. 
وتفيد تقارير صحيفة {وول ستريت جورنال} بأن الطالبان بدؤوا منذ الان بتقاضي عائدات الرسوم من البوابة التجارية الرئيسة بين الدولتين.
منذ ان اعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو عن قرار سحب قواتهم العسكرية من افغانستان، الذي سيكتمل في اواخر شهر آب، اندفع المتطرفون الاصوليون الذين سبق لهم ان طردوهم من كابول وواصلوا القتال معهم طيلة 20 عاماً، مجتاحين مناطق عديدة من افغانستان، لاسيما الريفية، ومن المعتقد الآن ان طالبان تسيطر على ما يقارب ثلث الولايات ومراكز الولايات في البلاد وهي تواصل القتال لإخضاع المزيد.
يقول احمد جواد عضو مجلس اقليم بداخشان إن الموقف سيئ، ويضيف ان جميع ولايات بداخشان الثماني والعشرين قد سقطت تحت سيطرة طالبان باستثناء واحدة، في حين تخضع عاصمة الاقليم "فايز آباد" للتطويق من قبل الجماعة المتمردة. 
وقد ابلغت السلطات في كابول وكالة {آر آي أي} الروسية للانباء المملوكة للدولة ان القوات الحكومية قد أخذت على حين غرة، وأنها ستشن هجماتها المعاكسة عما قريب.
خلال ذلك قامت السلطات الأميركية بإخلاء قاعدة {باغرام} الجوية المترامية. 
هذه القاعدة، التي تبعد نحو 65 كيلومتراً شمال كابول، كانت على مرّ عقدين من الزمن تقوم بدور القطب للعمليات العسكرية الأميركية، وقد مر عبر مجمعاتها الضخمة منذ انطلاق عملية {الحرية الدائمة} في العام 2001 عشرات الألوف من الجنود الأميركيين. 
قاعدة {باغرام} كانت تضم ايضاً مراكز الاحتجاز، حيث يقوم الجنود الأميركيون ومحققو وكالة المخابرات المركزية باستجواب المعتقلين، وفقاً لتقارير الحكومة الأميركية والتحقيقات التي اجرتها جماعات حقوق الانسان.
في يوم الجمعة 2 تموز أعلن المسؤولون الأميركيون عن قرار المغادرة من القاعدة نفسها، وفي يوم الاثنين اخذت السلطات الافغانية مراسلي الوكالات في جولة عبر القاعدة. 
غادرت آخر المفارز المتبقية من الجنود الأميركيين تحت جنح الظلام دون أن تشعر القائد الافغاني الجديد الذي تولى القاعدة بشأن مغادرتها، وفقاً لما قاله المسؤولون الافغان الذين تحدثوا الى وكالة اسوشيتد بريس. 
جاء في الانباء ايضاً أن البعض انتهزوا الفرصة فقاموا بنهب القاعدة والثكنات لأن القوات الأميركية خلفت وراءها ملايين القطع والمواد التي كانت تستخدمها، منها الكبير ومنها الصغير، بما في ذلك الوف السيارات المدنية ومئات المركبات المدرعة.
فوضى الأشهر القليلة الماضية اثارت لدى المراقبين نذراً، وتحذر المنظمات الانسانية من احتمالات حدوث ازمة لاجئين جديدة إذا ما تعمق الصراع. 
جماعات حقوق الانسان هي الأخرى تتخوف من ضياع حقوق النساء والحماية التي يتمتعن بها في المناطق، التي تقع تحت هيمنة المتطرفين. 
مجتمعات الاقليات، وبشكل خاص أقلية الهزارا ذات الاغلبية الشيعة، تترقب بقلق انتقاماً شرساً من قبل طالبان.
يعتقد عبد اللطيف، وهو طالب جامعي عمره 22 عاماً له شقيقة قتلت في انفجار قنبلة على مدرسة في حي الهزارا بكابول، ان حمل السلاح سيكون الخيار الاخير. 
يقول: {نحن نريد ان نحصل على التعليم وننتخب ونعيش في ظل القانون، ولكن هؤلاء الإرهابيين يريدون ارتكاب اعمال ابادة ضد عرقنا ونجاحنا، فإن كانت الحكومة عاجزة عن حمايتنا وحماية أسرنا قد يكون ذلك هو خيارنا الوحيد}.
استيلاء طالبان على مدينة كابول الشديدة التحصين لا يزال أمراً بعيد التوقع وتأمل القوى الاقليمية والمسؤولون الأميركيون أن تعود الحياة الى العملية السياسية المتوقفة بين المتطرفين والحكومة الافغانية خلال الاشهر المقبلة، حيث ابدى المسؤولون الطالبان استعدادهم للعودة الى المحادثات، رغم التقدم الذي يحققه مقاتلوهم في انحاء عديدة من البلد.
ما سينتج عن تلك المحادثات يبقى مثار تساؤل، حيث ينتظر المسؤولون في كابول الاطلاع على مقترح تحريري من جانب طالبان يتضمن رؤية الحركة لما يعنيه السلام والمصالحة من وجهة نظرهم. في غضون ذلك يبدو الوضع الأمني وكأنه مستمر بالتدهور نحو الأسوأ، وفي يوم الجمعة 2 تموز عبر وزير الخارجية الروسي {سيرغي لافروف} عن قلقه من التغيرات التي شهدتها المعادلة على ارض الميدان في شمال افغانستان، وأعرب عن قلقه من عودة بعض الفصائل المرتبطة بما يسمى {الدولة الإسلامية} للنشاط في تلك المنطقة ملقياً بقسط من اللوم في تلك التطورات على ما اسماه {النهج اللامسؤول لبعض المسؤولين في كابول}. وكذلك على ما وصفه بأنه {الانسحاب المتسرع للناتو}.
الرئيس بايدن متلهف لطي هذه الصفحة. فخلال لقاء مع الصحفيين قبل الرابع من تموز واجهه احدهم بسؤال حول الانسحاب الأميركي فتنهد ورد ممازحاً: {أريد التحدث في اشياء سارّة يا رجل}.
إلا أن شهرزاد أكبر، رئيسة المفوضية المستقلة لحقوق الانسان في أفغانستان، علقت على ذلك بتغريدة قالت فيها: {باعتباري امرأة أفغانية لست أملك مثل هذا الخيار.. خيار التحدث في اشياء سارة.. الأولى عندي هو الشعور بالقلق من التمييز بين الجنسين الذي تلوح بوادره في الأفق}.
جاء في افتتاحية لصحيفة واشنطن بوست أن بايدن كان من المشككين منذ وقت طويل بالمهمة الأميركية في أفغانستان، وقد بقي ثابتاً على موقفه حتى بعد تقليص اعداد القوات والنفقات المخصصة لها بشكل جسيم. أضافت الافتتاحية: {كان رأي بايدن هو ان الحرب على طالبان لا موجب لها ولا يمكن كسبها، في حين ان الانزلاق من وضع التعادل الى الهزيمة سيكون شديد الانحدار}.
 
عن صحيفة واشنطن بوست