خريطة طريق علي مطهري على طاولة إبراهيم رئيسي
قضايا عربية ودولية
2021/07/15
+A
-A
جواد علي كسار
سبعة اقتراحات أساسية وضعها علي مطهري بلغة صريحة وواضحة، على طاولة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، لم يبالغ من وصفها بأنها بمنزلة خريطة طريق، لإنقاذ إيران من أبرز مشكلاتها خلال السنوات الأربع القادمة. بديهي لم تكن وصايا مطهري وحدها في الساحة، بل شاركت معظم القوى السياسية الفاعلة، معها شخصيات بارزة ومؤثرة، في دفع مقترحاتها إلى الرئيس الجديد، لتعكس بذلك رؤاها وتصوراتها لإدارة البلد في المرحلة الجديدة، من عهد الرئاسة الثالثة عشرة.
الرمزية ومحتوى الخطاب
لكن تبقى لرسالة مطهري نكهتها الخاصة من حيث الرمزية ومحتوى الخطاب. فعلاوة على أن علي مطهري هو نجل المفكر الراحل مرتضى مطهري (ت: 1979م) فإن لشخصيته السياسية حضورها المميّز المثير، ليس فقط من خلال مشاركته في البرلمان نائباً عن طهران لثلاث دورات متتالية (الثامنة والتاسعة والعاشرة) ونائباً لرئيس البرلمان علي لاريجاني في الدورة العاشرة، بل أيضاً من خلال مواقفه الصريحة الواضحة، التي تنأى الأغلبية عن مثلها خوفاً ومداراة. من ذلك مثلاً لقاءه المشهور الذي رفض فيه أسلوب تعامل الجمهورية الإسلامية مع الشيخ حسين علي منتظري (ت: 2009م). أضف إلى ذلك رفضه لطريقة التعامل مع قادة الحركة الخضراء والاحتجاجات الشعبية التي نجمت عنها بعد انتخابات 2009م، ومطالبته بوضوح ودون لُبس إنهاء الحجر المفروض على مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد ومهدي كروبي.
من الدعوات الجريئة التي أرتبطت باسمه، رفضه أن يتحوّل العداء لأميركا إلى “دكان” تتكسّب منه القوى السياسية الداخلية، لأن العداء لأميركا وقطع العلاقة معها، لا شأن له بثوابت الثورة الإسلامية ومنهاجها.
مما اشتهر عنه أيضاً في حياته النيابية، إعلان استقالته عن البرلمان عام 2011م، عندما رُفض طلبه بمساءلة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، عن سحبه أموالا من البنك المركزي الإيراني، بنحوٍ غير قانوني؛ كما مهاجمته لأحمدي نجاد لتأكيده الطاغي على الثقافة الإيرانية القديمة، ضمن ما يطلق عليه بـ”مكتب ايران” (مدرسة إيران أو الإيرانية) وترداده القول: “نحن أبناء رستم واسفنديار” مفتخراً بذلك، وهو الرئيس الذي كان يوصف بأنه الأنقى ولائياً ودينياً.
دكتوراه الفلسفة علي مطهري، الذي حاز في آخر انتخابات نيابية شارك بها عن طهران، ما يساوي (1,447,073) صوتاً أو ما نسبته 44,58 % ؛ يوصف بين الأصوليين بالأصولي المعتدل، وبين الإصلاحيين بالإصلاحي المعتدل. رشّح للرئاسة ورُفض من قِبل الجهة الرقابية “لجنة حماية الدستور” (شوراى نكهبان)، لكنه لم يتخذ موقفاً سلبياً من رفض ترشيحه، بل شارك بالانتخابات ووصفها بـ”المقبولة” وبعث برسالة للمرشّح؛ الفائز إبراهيم رئيسي، هنأه فيها وضمّنها مجموعة مهمّة من الاقتراحات، جاءت موزّعة على محتوى الرسالة المكوّن من نقاط ست، تتعلّق بأبرز إشكاليات الوضع الداخلي في إيران، والأزمات التي يعاني منها نظام الجمهورية الإسلامية، بالإضافة إلى السياسة الخارجية والعلاقة مع المنطقة والعالم، استعمل فيها وعلى عادته، لغته الصريحة الواضحة غير المواربة، التي اشتهر بها، وكلفته الكثير من النقد والتجريح، والهجوم المباشر على شخصه، كما حصل مرّة عندما أُعتدي على موكبه في شيراز.
السياسة الخارجية
كتب مطهري: “ينبغي أن تكون هناك علاقة مع البلدان الإسلامية مثل السعودية ومصر والبحرين. كما ينبغي الارتقاء بالعلاقة مع البلدان الإسلامية كافة، لكي تخرج إيران من طوق العزلة في العالم الإسلامي”. هذا ما جاء في نص النقطة الرابعة من الرسالة، عندما أكّد مطهري على أنه لا مناص من إصلاح السياسة الخارجية لإيران، كمقدّمة لازمة لتحسين الوضع المعيشي للإيرانيين، وأن العلاقة الترابطية بين الاثنين، هي علاقة اللازم بالملزوم: “من اللوازم الأساسية لتحسين معيشة الناس؛ إصلاح السياسة الخارجية”، بمعنى أن الأول لا يتحقّق إلا بتحقق الثاني.
يذكر مطهري للرئيس المنتخب، أن 80 % من الصلات التجارية لإيران اليوم، تقتصر على بضع دول فقط، هي الصين وروسيا والعراق وتركيا وبلد أو بلدان اخران كأفغانستان مثلاً. وتقوقع كهذا في العلاقات التجارية، لا يسمح لإيران بالتقدّم وتحسين أوضاعها. لذلك يُطالب صراحة بعلاقات تجارية متقدّمة مع الاقتصاديات الآسيوية الكبرى، مثل الهند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وفيتنام؛ كما أيضاً مع اقتصاديات البلدان الأوروبية، ويحذّر من مغبّة الاقتصار على الصين وروسيا وحدهما، كما هو حاصل الآن، وأنه من غير المعقول أن تبقى إيران محجورة في بضع اقتصاديات، ومعزولة عن الاقتصاديات الكبرى.
العلاقة مع أميركا
كرّر مطهري أكثر من مرّة بأن ملف العلاقة مع أميركا ينبغي أن يُفتح على نحو عقلاني، ويخرج من نطاق الممنوعات “التابوات” إلى حقل المفكّر به، وقد اشتهر على هذا الصعيد رفضه أن يتحوّل العداء لأميركا، إلى “دكان” للكسب الداخلي. في هذه الرسالة إلى الرئيس الجديد يتحدّث مطهري بصراحة، عن ضرورة إرساء مقدّمات عودة العلاقات الدبلوماسية مع أميركا، بعد رفع العقوبات وعودة أميركا إلى الاتفاق النووي، مستعيداً خلفية العلاقة مع أميركا، وأنه لم يكن من المقرّر قطعها مع انتصار الثورة الإسلامية، لكن: “واقعة غير مرغوبة حصلت من جانبنا، كانت سبباً لقطع علاقاتهم معنا، وأدّت إلى تحميل البلد أضراراً بليغة” إذ يقصد بهذه الواقعة احتلال مجموعة من الشباب الثوري للسفارة الأميركية في 4 تشرين الثاني عام 1979م.
لم يكن مطهري بحاجة إلى الصراحة أكثر، وهو يذكّر إبراهيم رئيسي، بأن القيادة الإيرانية في ذلك الوقت صارت ضحية تأثير ضغوطات الاتحاد السوفياتي ومن يمثله داخل إيران، في التصعيد المبالغ به ضدّ أميركا، ومن ثمّ يقول لرئيسي نصاً: “لا تصغي لكلام من يقول؛ إذا استؤنفت العلاقة مع أميركا ستنتهي الثورة!”، محذّراً له بأن “إسرائيل” هي المستفيد من التوتر الحالي بين إيران وأميركا، وأن: “إسرائيل تخشى بشدّة من استئناف العلاقة بين إيران وأميركا”.
الاثنينية وحكومة الظلّ
يعتقد قطاع غير قليل من الإيرانيين، ان هناك اثنينية ضاربة بين رأسي النظام؛ المرشد من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى. كما يعتقدون بوجود المؤسّسات الموازية التي تضرّ بوحدة القرار السياسي والاقتصادي والأمني؛ عن طريق ممثلين لهذه الفعاليات داخل مكتب المرشد، وفي الحرس الثوري، وبين قوى ومؤسّسات أخرى معروفة في إيران، لا يقتصر تأثيرها السلبي على ما تمثله من تآكل في مركزية قرار الحكومة، بل ما تؤدّي إليه أيضاً من استنزاف مالي وبشري.يخاطب علي مطهري الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، عن وباء الاثنينية هذا، ويقول له نصاً: “آمل أن يضع وصول حضرتكم إلى موقع رئاسة الجمهورية، حداً للاثنينية الحاكمية، وأن يُنهي حكومة الظلّ؛ وأن لا تسمح بتدخّل المؤسّسات الحكومية المختلفة، بالشؤون التنفيذية؛ وهذا أمر لا يحصل إلا بعدم المصانعة كما يقول الإمام علي عليه السلام”.
تبلغ هذه الوصية مداها الأقصى من الشجاعة والجرأة والوضوح، عندما يحذّر مطهري الرئيس المنتخب، من تدخّلات الحرس الثوري بأجهزته ومؤسّساته المختلفة، ولاسيّما في السياسة والاقتصاد: “من الضروري أن تمنع الحرس من التدخّل في السياسة والاقتصاد؛ لأن ذلك من مصلحته ومصلحة الشعب”.
العودة إلى النووي
ليس سرّاً أن الساحة الإيرانية منقسمة رأسياً حول الموقف من الملف النووي، وهي موزّعة على طيف وسيع يبدأ بمن يرى أن الاتفاقية النووية عام 2015م، هي أكبر مكسب مع أميركا والغرب ليس على عهد الرئيس الحالي حسن روحاني وحده، بل على مستوى عهد الجمهورية الإسلامية برمته؛ وبين من يرفضها بالكامل ويرى أنها شر مطلق، كان ينبغي لإيران أن تتحرّر منها يوم أعلنت أميركا الانسحاب منها، في عهد دونالد ترامب عام 2018م.
لكن الغريب أن أحداً من الرافضين لم يجرؤ على تحمّل إعلان قرار الانسحاب منها، بما في ذلك خطّ في الحرس الثوري يصنّف في خانة عتاة الرافضين. عند هذه النقطة يوصي مطهري إبراهيم رئيسي، ضرورة العودة إلى النووي، وهو يقول: “ينبغي لك السعي الحثيث لرفع العقوبات، والعودة إلى الاتفاق النووي، والانضمام إلى اتفاقية (بي. أف. آي. تي) وأن تنقذ الناس من تحمّل المعاناة غير الضرورية، هذه المعاناة والمشاق التي نشأت في أغلب دوافعها عن تنافس القوى السياسية”.
بالعمل لا بالشعار
في نطاق تجربته في العمل الحكومي تحدّث الوزير المخضرم نعمت زادة يوماً، عن أجواء بداية الثورة الإسلامية وكيف أن بعض القوى الثورية كانت ترفض إنشاء مؤسّسة للتخطيط والميزانية، وأن الأولى ترك الأمور لله سبحانه دون تدخّل في المقادير الإلهية. كانت هذه الواقعة التي تحدّث بها نعمت زادة الذي عمل وزيراً مع مير حسين الموسوي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، تؤشر على عمق الصراع بين اتجاهين بل مدرستين في إدارة الدولة، هما أسلوب الإدارة الدينية وأسلوب الإدارة العلمية، قبل أن يسجّل الاتجاه الثاني انتصاره الساحق على الاتجاه الأول منذ عهد رئاسة رفسنجاني فما بعد.
بيدَ أن ذلك لم يمنع من احتدام التنافس بل الصراع بين قوى الداخل، حول محاور خلافية أخرى، منها ثنائية الإرادة بين الشعار والعمل. إذ لا يخفى أن البعض توكأ على الشعارات وحدها، وكأن المشكلات تذوب بالكلام، وتختفي الصعاب بالخطب وبالكتل اللفظية، ويُصار إلى إعمار حياة الناس بالشعارات وحدها.في هذه الرسالة يضرب مطهري بعنف على التفكير الشعاري، ويحذّر إبراهيم رئيسي من أن يكون ضحية لهذا الأسلوب السطحي في إدارة كبرى ملفات البلد وأزماته لاسيّما في المعيشة والاقتصاد، محذّراً إياه بالأخص من الحواشي التي تحيط به. على سبيل المثال هناك من يذهب داخل إيران، أن بمقدور الجمهورية الإسلامية أن تتخطى أزماتها الاقتصادية من خلال الحصار والعقوبات، بل ويزعم أن الحصار والعقوبات يمثلان للبلد فرصة أنموذجية على هذا الطريق.يرفض مطهري هذا المنطق، وهو يخاطب رئيسي نصاً: “لا تصغي إلى كلام من يرفع الشعارات، ويردّد: نستطيع مع الحصار والعقوبات أن نبلغ بمرتكزات الاقتصاد إلى المستوى المطلوب، لأن هذا لا يكون وغير ممكن” ليعيد تذكيره مرّة أخرى، أن هذا الكلام الشعبوي الشعاري، المجافي للواقع الاقتصادي الإيراني المتخوم بالأزمات فعلاً، تتوزّع دوافعه بين الجهل والرغبة العارمة للنيل من روحاني، أما وقد ذهب روحاني فلم يعد لترديده معنى سوى الجهل والإضرار بإيران.على هامش هذه النقطة التي يؤكد فيها أهمية الإدارة العلمية للبلد ولاسيّما الاقتصاد والعلاقات الخارجية، ينبّه مطهري الرئيس المنتخب، أنه إذا سار بهذا الاتجاه، فسيفتح المجال: “للإفادة من الرصيد العظيم للإيرانيين في الخارج” كي يسهموا بحلّ مشكلات البلد.
الحريات الداخلية
المعالجة الأمنية للشأن الداخلي هي واحدة من الموجات المتصاعدة داخل الجمهورية الإسلامية، بما يمثله ذلك ليس فقط من طغيان الرؤية الأمنية، للحريات السياسية مثل حرية النقد وإبداء الرأي؛ بل أيضاً الحضور المتزايد للأجهزة الأمنية والمخابراتية. عن هذه النقطة تحدّث علي مطهري بصراحة، منبّهاً رئيس الجمهورية على أن: “حرية البيان وبقية الحريات الأساسية للشعب، هي مما نصّ عليه الفصل الثالث من الدستور” وتمّ بموجبها منع وتجريم: “التنصّت، والتعذيب، والاعتقال والحبس بدون أمر قضائي، والحبس الانفرادي، والحجر المنزلي” ومن ثمّ فإن ما يفعله فريق من القوى الأمنية والاستخباراتية هو أمر خاطئ، حتى وهي تظنّ أنها بهذه الإجراءات تحمي النظام وتقوّيه.عند هذا المنعطف يخاطب مطهري إبراهيم رئيسي، نصاً: “أرجو أن توضّح لهؤلاء بأن إجراءاتهم هذه أضعفت النظام، وعلاوة على أنها مخالفة للدستور، فلا ضرورة لها أصلاً”. يضيف: “آمل أن لا نرى في عهدكم طالباً جامعياً توضع حوله علامة استفهام أو يُحرم من إكمال الدراسة، لمحض أنه وجّه نقداً، أو اشترك بتجمّع احتجاجي”.يقوم علي مطهري في سياق ذلك باستذكار واقعة، كان قد ذكرها رئيسي لعلي عن والده مرتضى مطهري، فيستثمر هذه الواقعة ليعيد على مسامع رئيسي، أن والده الشهيد (ت: 1979م) كان دائب التركيز على: “العدالة الاجتماعية، وحرية الرأي، وحرية النقد، وحرية المعارضة؛ وبشكلٍ عام احترام الحريات ودورها في مستقبل الثورة الإسلامية؛ وأنك تعرف ذلك كله، وستتقيّد به وتصرّ عليه”.
انخفاض المشاركة
من يحبّ النظام بنظر مطهري ويخلص له، عليه عدم المصانعة والمجاملة. فبشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد كانت هي الأدنى منذ الانتخابات الأولى في 25 كانون الثاني 1980م إلى الأخيرة في شهر حزيران الماضي. فبحسب الأرقام الرسمية للداخلية الإيرانية، بلغت المقاطعة أكثر من 51 %، وقد استقرّت المشاركة على نسبة (48,8 %) يُضاف إليها قرابة أربعة ملايين بطاقة بيضاء أو ما يساوي 13 % من المشاركين، لتكون الحصيلة عدم مشاركة نحو 60 % من الإيرانيين.
أضف إلى ذلك إن الكثيرين خارج إيران يجهلون أن يوم الجمعة 18 حزيران الماضي، شهد انتخابات مزدوجة بين الرئاسة ومجالس المحافظات (بالإضافة إلى تكميليات البرلمان ومجلس خبراء القيادة) وقد استقطبت أخبار انتخابات الرئاسة الانتباه، ومنعت من ملاحظة الوجه الآخر للعملية الانتخابية، عندما سجّلت انتخابات مجالس المحافظات عزوفاً عن المشاركة تراوح بين 80 % إلى 90 %، بحسب الأرقام التي نشرتها صحيفة “جمهورى اسلامى” في مقال مفصّل لها بتأريخ الخميس 1 تموز الحالي، وهي تدقّ ناقوس الخطر، وتصف ما حصل بالوقائع المريرة.لقد بدأ مطهري رسالته بهذه الحقيقة، حيث جاءت كنقطة أولى من بين النقاط الست التي تضمّنتها الرسالة. وبعد عرض هذه الحقائق بالأرقام، خاطب الرئيس المنتخب، بقوله: “تعكس هذه الحالة ميزان رضا المجتمع عن الوضع الموجود، ومن ثمّ ينبغي أن تدخل في حسابات حضرتكم لإصلاح الأمور”. ملفتاً نظر الرئيس الجديد، إلى ضرورة أن يهتمّ هو شخصياً بمبادرات تعيد الاعتبار لقاعدة النظام وشعبيته.