صوت نساء

اسرة ومجتمع 2019/02/22
...

عالية طالب
أعرف انها تنتظر فرصة البوح ، وافهم لماذا تحاول ان تخاتل حركتها حتى لا يراها من ينتظر منها صوتاً مغايراً، واجزم ان صوتها العميق كان يشبه فضاء المكان الذي يحتوينا، تحدثني بصوت خافت، يشبه الهمس، كأنها تكتفي بحركة الشفتين وعليّ ان اترجم تلك الحركة الى كلمات وجمل ، تختفي خلفيّ ، وما أن استدير لمواجهتها حتى تعاود الانكماش وكأنها تتقوقع داخل  حركة الشفتين وتلوذ بهما ، استمرت تهمس أو هكذا كانت تتخيل لكنني اسمع هتافاً يهدر بصوت صاخب كأنه الشلال يندلق ليقول اشياءه الكثيرة، والكبيرة، والمهمة، والمتخمة بسطوتها، بحقيقة وجودها، بقوة معانيها، بمشروعية منهجها، برقة انوثتها، كانت امرأة بحق تحوطني لتقول عني وعن النساء ما يريد لها الاخرون ان تصمت عنه
حدثتني عن سقوطها في اللاجدوى، وأعرف جيداً كم هو حارق ذلك السقوط ومحبط، وكم هو خطير وكسير وجارح ومتهاوٍ، حركة شفتيها تزامنت مع حركة عينيها التي لم تهدأ على زاوية واحدة والرأس يتلفت كأرنب مذعور وكأنه يخشى  مفترساً يتربص به، صوتها ينساب بحزنه ليدخل القلب بهدوء ويعيد قصة المرأة في بلدي التي تطاردها النظرات  اينما تحركت، تحرقها عيون كثيرة ما ان تغادر وحدتها وتشعر بأن الترصد بها سيجتاز الشارع ويمسك بشعرها وذراعيها ويسحب خطوتها الى المجهول، تجلدها عيون الاستغراب  التي تدخل الى مساماتها وكأنها كائن خرافي نزل  الى مكان وزمان خاطئين في تكوين لم تعد تفهم الى من ينتمي جيداً الى الماضي ام الى الحاضر المبهم الذي لم تعد تتعرف اليه جيداً.
صوتها يختنق ويتحشرج وهي تلعن الوقت الذي تجبر فيه على الدخول في حوارات مع الاخرين الذين يفسرون واقعيتها وانطباعاتها وموضوعيتها على أنها مغالطات لابد من الوقوف أمامها وتعديل  مفهومها ونبذ انتهاجها .
تتأوه وكأنها تلملم شتات نفسها وهي تتساءل أليس من حقي ان اتحرك واتكلم واتفقد واصغي واشارك واعطي رأيي وارفض واقبل وادافع وأصر وأناقش وانفعل وافرح واضحك واحزن والبس واتجمل واشارك و .. و.. و.. مثلما أريد ؟؟ أليس من حقي ان اعيش !!
كنت اسمعها وكأنها تأتيني من كل الاتجاهات ـ يمتلئ الهواء بصوتها والفضاء بشذاها والسماء بالوانها والمكان بثراء جسدها والزمان بوجودها الباذخ.
كنت اسمعها فيما  الشفتان ما زالتا تهمسان وكأنهما تعزفان سيمفونية الضوء والصوت وتحيلان المكان الى نور  باهر مفعم بالجمال.
كنت اسمعها .. وما أن تفقدت صوتها جيداً حتى  امتلأ المكان بوجوه نساء من بلادي افترشن المسافات امامي وتداخل صوتي واصواتهن حتى ضج الفضاء بنا دون ان نحصي  من يصغي .. ترى أ كان هناك من يصغي حقاً !!