كولاج تأويل كتاب (رقم سومرية) تقديم وتأطير علي عبد النبي الزيدي

ثقافة 2021/07/18
...

 علي شبيب ورد
 
شروع:
بدءا نود الاشارة الى أن كفاءة أداء أي نص، تستدعي الاجابة عن السؤال الجوهري القائل: كيف تصنع أشياءً بالكلمات؟، حسب عنوان محاضرة - جون أوستن - في جامعة هارفورد عام 1955. والتي استخدم فيها لأول مرة مصطلح (الأداء performative) ويحاول اوستن اثبات ( أن الكلام يحوي دائما تصرفا أو حدثا، وهذا ما يجعل الحديث ناجحا أو فاشلا، وما يجعل الكلام صحيحا أو خاطئا). وفق ما تقدم نعمد الى النظر للنصوص الماثلة من خلال كفاءتها الأدائية، في تأسيس عرض مسرحي فاعل ومؤثر اتصاليا. 
منذ القراءة الاولى للنصوص الطرية هذه، لمسنا طاقاتها الكامنة في افتراض فضاءات عروضٍ، حافلة بخصوبة أداءٍ جاذب للتلقي، وجالبٍ لاحتمالات تأويل شتى. ولسوف نتعرض للكتاب وفق حزمة كولاجات تأويل مع ملحق رؤيوي وكما يلي:
 
مكونات النص/ كولاج أول
 تنوعت عناوين النصوص في إحالاتها الدلالية، ويمكن لنا الاشارة الى الأكثر وخزا ودكّا لسكون أنساق السائد، في التهكم والادانة والفضح والاشهار، مثل: نعل ابراهيم/ حارس القمامة/ ردهة 1400/ الجنة سجنا. بينما توحدت أزمنة النصوص في الراهن العراقي بعد 2003، على الرغم من تبايناتها البسيطة بين نص وآخر. ومع أن الأمكنة لم تخرج عن محليتها العراقية، غير أنها تنوعت في ريازتها المنتجة لرموزها الموحية لرؤى وتصورات منتجيها. 
وكما هو معروف فان الامكنة هي بيئات حاضنة لعوالم الشخوص على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم تجاه المجريات وتداعياتها. لذا لمسنا تنوع الامكنة بين مشغل وبيت وشارع وسجن ومقبرة وزنزانة، وكلها تشير الى المكان الأكبر (الوطن) وما جرى له من تخريب ممنهج ومرعب. اما الأحداث فقد تنوعت بين سلطة الاصنام/ خراب البيوت/ تحول الوطن الى قمامة/ المستشفيات/ الزواج القسري/ السجون/ شهداء تشرين/ المقابر/ فكرة الجنة/ تداعيات الحرب/ لغز الموت/ وسواها.
 
الرؤية الكتابية/ كولاج ثانٍ          
 وجدنا أن الرؤية الكتابية لمنتجي النصوص تنوعت في زوايا نظرها، غير أنها توحدت في أهدافها حول مكان الوجود (العمل/ السكن) ووقوفها عند أهم أسباب تراجعه وحطامه. فالكُتاب (محمد غالب تركي) و(علاء حميد الأسدي) و(صمود كامل خلاوي) و(بنين شعيبث) و(نغم عدنان ناجي) و(حسين حيدر شاكر) قد تقاربوا في تناولهم لما يجري في هذا المكان، من علاقات اجتماعية واقتصادية، على الرغم من اختلافهم في زوايا الرؤية والتفاصيل.  فنجد أن (محمد) كانت رؤيته تهكمية في تعالقها مع الموروث الديني، فأطاح بالقداسة الصنمية على اختلاف مرجعياتها، احجارا كانت أم أحياءً. في حين أن (علاء) ذهب الى ادانة الطغمة الحاكمة التي عملقت الوهم والخرافة والظلام في (البيت) فسلبت أهم ملامح وسامته، حتى صيرته حاوية قمامة، لفرط ما شابه من قبح وتشويه. ونجد أن (صمود) أدانت الانقياد الاعمى لسلطة الوهم (السيد) صاحب القرار الخفي الذي يهيمن على الجانب الواهن من العقل البشري، فيدخله في متوالية جرائم. أما (بنين) فقد عرضت لنا حوارا تنافسيا بين الغني والفقير، ومدى جدوى وايجابية كل منهما تجاه الوجود والعالم المعاش. 
 بينما انتصرت (نغم) للمرأة وهي تواجه ظلم وجبروت الرجل والمجتمع معا، فالانوثة تتحرك في بيئة ذكورية تسلب حقها في الرأي وتحرمها من العيش بحرية وسلام أسوة بالرجل. وتناول (حسين) تداعيات الحرب حيث الرجل العائد من الحرب وهو ابكم يواجه صعوبة في التكيف مع بيته والمجتمع. غير أنه يحاول التعويض عن عوقه هذا عبر الموسيقى كعلاج كوني يجمل نشاز الوجود بهارموني السلم الموسيقي ولذّته الاتصالية.
 
كُنْهُ الوجود والعدم/ كولاج ثالث
كما تقارب الكتاب (علي سهر) و(محمد قاسم عطية) و(سحاب رزاق ماضي) و(مرتضى عودة) و(حسين إياد) و(علي سمير جاسم) في تناولهم لِكُنْهِ الوجود والعدم، ولكن عبر زوايا رؤية متنوعة. 
يضعنا (علي) داخل ردهة وجود اشكالي، حيث هيمنة منظومة مغلقة منذ 1400 عام، ويكشف لنا عن حزمة أسئلة محرجة، داكة لمرمر النسق الصارم الطارد للتجديد والمنتج للقبح. أما (محمد) فيغور في عمق بانوراما ملصقات صور شهداء تشرين التي تنتشر في كل المدن. وهي تواجهنا يوميا، بسلسلة أسئلة محرجة ومريرة، عمن قتلها وعن الحقوق وحرية العيش بكرامة وسلام. بينما تدهشنا (سحاب) بجرأة خوضها في منطقة حرامٍ، تستبطن حجابات وحقولَ ألغام وأسلاكا شائكة. وما اكثر الاسئلة الظّانة، عن سبب وجودنا والغياب، تساورنا التهم في الوجود ويرعبنا العقاب في العدم، الى متى تستمرّ الخديعة؟،
يأخذنا (مرتضى) الى مقبرة يتمرد فيها حفار القبور على عمله، جراء قرفه منه لكثرة الموتى وبشاعة وقبح شخصية الموت وهو يمارس فعل قنص الارواح بلا هوادة. حوار غرائبي بين الحفار والموت والحرب، يكشف عن مدى قسوة الوجود وبشاعة فعل تجار الحروب وهم يمارسون القتل تحقيقا لمآربهم الدنيئة.
ويضعنا (حسين) أمام لعبة كتابة، يفترض فيها: أن حاكم المقبرة خصص بطاقتي عودة للحياة، فتبارت لنيلهما أربع شخصيات. وخلال المجريات تنبري اسئلة وجودية عدة، عن مغزى الحياة وجدواها ومن يستحقها من البشر على تنوع ميولهم وسلوكهم وأهدافهم، الممتدة بين الايثار والانانية.
بينما يرى (علي) أن الوجود زنزانة كبيرة وأن الانسان الطيب متهم على الدوام لأنه حي، وتلاحقه المتاعب كونه ارتكب (جريمة الحياة) وعليه المغادرة. النص يثير أسئلة شتى عن سبب الوجود، في عالم يسوده الرعب والعذاب والأسى، وعن حياة تقوم على شريعة الضغينة والاضطهاد 
والدم.      
 
استنتاج موجز/ كولاج رابع
- الايجاز في وصف ملامح المكان، يمنح النصوصَ فرصا عدةً لعروض ممكنة، وفق رؤى جمالية متعددة.
- النظرة التهكمية والظانة في المسلّمات والتابوات المتوارثة، منحت النصوص سمة التطلع لما هو انساني.
- المنظومة الاتصالية للنصوص، ذات نهاية مفتوحة محرضة لتأويلات شتى، تفتح أمام المخرج امكانيات شتى لإنتاج عرض ذي كفاءة أداء جمالي اغوائي وملفت. 
- تداخل الأزمنة، يوفر للنصوص طاقات اتصالية بكفاءة عالية، خلال العرض المسرحي بصريا وصوتيا.
- الشخصيات تتحرك في بيت قديم مدمر، أو في سجن مظلم، أو في مقبرة متصحرة. بمعنى أنها تعيش في عالم خرب يستدعي التغيير.
- التناص مع الموروث، وفق رؤية مفترضة قائمة على مبدأ الشك السحري. الذي اطاح بالمسلمات والمقدسات والهالات المنتجة للفساد الاقتصادي 
والاجتماعي.
- النصوص عموما هي مشاريع خصبة لنصوص عرض ناجحة. وهذه السمة يتميز بها قلة من الكتاب الذين تجاوزوا الحدود تسويقا وانتاجا.