«حراس المياه».. عطش الأرض وتحول المناخ

منصة 2021/07/25
...

  حسين رشيد
الجفاف والتغير المناخي في العراق باتا من الأخطار المستقبليَّة التي يجب أن تؤخذ بالحسبان وتوضع لها الخطط والحلول الممكنة كما في بقية الدول والبلدان المجاورة، من بين أسباب الجفاف والتصحر الهدر بالماء إن توفر، وشحه بسبب جملة أمور، لذا التقط الكاتب والصحافي المختص في البيئة والمتغيرات المناخية خالد سليمان جملة (حراس المياه) ووضعها عنواناً أولياً لكتابه (حراس المياه.. الجفاف والتغير المناخي في العراق) الصادر عن دار المدى 2020.
إذ قدم الكاتب لكتابه عن واقع حياتي كان يعيشه وأسرته وأبناء قريتهم في منطقة كرميان وكيف كانوا حراس المياه من خلال طرق استخدامها الأمثل والأكثر اقتصاداً، فحين كان والده يتوضأ للصلاة يعود بتدوير الماء لسقي نباتات حديقتهم البيتيَّة، حتى أخذ وأصدقاؤه في الصبا طريقة المحافظة على الماء وحراسة نهر (آوسبي) الواقع شمال قريتهم والذي يُعدُّ المزود الرئيس لهم بالمياه، إذ كانوا يحرصون على نظافته وديمومة جريانه من خلال المحافظة على نظافته من التلوث.
يأخذنا الكاتب في رحلة مع قصة الخليقة البابليَّة وأهمية المياه في الخليقة وصراع الآلهة التي لم يتمكن أي منها من منع المياه أو إيقاف إطلاقها، فالمياه ليست العنصر الأهم في نشوء الحضارات في وادي الرافدين فحسب بل قد تكون العنصر الأكبر والأهم في النتاجات الأدبيَّة لكتب العصور القديمة ويتجلى ذلك في قصة الطوفان كما يشير لذلك المؤلف الذي تطرق ايضاً الى حضور الماء في الأدب العراقي الحديث متناولاً أمثالاً عدة واردة في قصائد وأشعار. وفي هذه النقطة يعطي سليمان أهميةً غير مألوفة للماء والأنهار، وجماليتهما في الأدب والفن والتاريخ.
بعدها ينطلق الكاتب الى مساحات العمل الصحفي والبحث في أخطار الجفاف والتصحر، عبر محطة أولى كانت عن هور الدملج وأهميته وتكوينه ودوره في الزراعة والسقي بمحافظة الديوانية فضلاً عن أهميته في الاعتدال المناخي، كما ينوه الى وصول الثقافة البيئيَّة والاهتمام بالتغير المناخي الى أناس بسطاء لكن أهمية الأمر والأخطار التي تصاحبهم جعلت منهم مهتمين بهذا الشأن.
مشيراً الى حكاية المرأة الجنوبية (حليمة سوادي) التي لم تُكمل تعليمها الأولي لكنها تبحث وتقرأ عن التغير المناخي وتملك معلومات كثيرة عنه حسب الكاتب، وهذا الاهتمام جاء مما تعانيه سوادي من مصاعب في الحصول على الماء في قرى جنوب البلاد أيام الصيف.
في عدد من المقالات والقصص الصحافية يتناول سليمان موضوعات المياه في المدارس والتلوث الذي يصاحبها إنْ وجدت وما تسببها من أمراض، كذلك تأثير التغير المناخي في الأطفال والتعليم الذي يتلقونه في المدارس وتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة والتي تصل في أيام الصيف الى الأعلى عالمياً، والتي تعدُّ من أكبر مخاطر التغير المناخي الذي خلق أنماطاً ثقافيَّة جديدة في سبل وطرق إدارة أزمات المياه وإيجاد الحلول فالأمر يتعدى مسألة التغير المناخي وسبل التقليل من المخاطر بل هو مسألة حياة أو موت، بقاء أو فناء، ديمومة حياة خضراء وهواء نقي أو ما يخالفهما من جملة أخطار أحدهما يولد الآخر.
كما يدعونا الكاتب هنا الى التوقف عن التفكير بمياه الصرف الصحي كمياه عادمة وقذرة ويدعو الى أهمية إعادة معالجتها واستخدامها من جديد. وهنا تبرز أهمية ترشيد استخدام الماء لكن لو تفحص أي مختص حجم الهدر اليومي في الأسواق الشعبيَّة وخاصة محال بيع اللحوم ومحال ذبح وتقطيع الدجاج لولى هارباً الى أبعد نقطة في المعمورة.
لم يغفل الكاتب دور المياه في التنوع الاحيائي والمحافظة على سلالات الطيور النادرة والأسماك العراقيَّة والحيوانات المائيَّة، التي تجد في مياه الأهوار البيئة الأمثل للتكاثر، ويشير ايضا الى ما يهدد ذلك من عمليات قطع الأنهار وتحويل مياه البزل الى الأنهار الكبيرة، أعمال الصيد الجائر أوقات التكاثر، فضلاً عن تجريف البساتين وتحويل المساحات الخضراء الى بنايات اسمنتية تزيد من وطأة التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة.
وينوه الكاتب والصحافي خالد سليمان المختص بالبيئة والتغير المناخي الى أنَّ العراق واحد من أكثر البلدان عرضة لمؤثرات التغير المناخي وما شهدته السنوات العشر الأخير يوضح جلياً حجم تلك المؤثرات فمن قطع مياه الأنهر من الدول الجارة وزيادة المد الملحي في شط العرب الى جفاف الأهوار وارتفاع كبير في درجات الحرارة ما يتسبب بجملة مصاعب في العمل والانتاج وبوجه الخصوص قطاع الزراعة. مشيراً الى جملة اسباب داخلية أسهمت بالتغير المناخي منها: الإدارة السيئة للموارد المائية، الإدارة السيئة للنفايات وخاصة الخطرة منها، صناعة النفط والغاز، الحروب وتأثير استخدام الاسلحة، ازالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي.
في آخر مقالات الكتاب يلمح الكاتب الى سيناريو أغرق مدن جنوب العراق، عبر زيادة مناسيب المياه ثلاثة أضعاف ما يعني غرق وفيضان كل المدن التي تقع في ما يعرف بالانخفاض الارضي وهذا يولد جملة أحداث أخرى، اقتصاديَّة، ثقافيَّة، أمنيَّة، عسكريَّة. ويشير أيضا الى بعض الحلول القائمة على الطبيعة، ويؤكد أنَّ المياه في ميزان الشراكة الدولية حيث يعرج سليمان الى تفاصيل ملف المياه مع الجانب التركي والإدارة التي تسبب بضرر العراق الكبير جراء بناء السدود التركية وانعكاسات تلك السياسة المائية على مدن الجنوب بوجه الخصوص، كاشفاً عن جملة تفاصيل شهد بعضها وآخر جاء على لسان المسؤولين عن إدارة ملف المياه في العراق منذ 2010 الى اليوم وبعض ما دار في لقاءات متبادلة بين الجانبين العراقي والتركي.
وقبل ان يكتب توصياته تساءل الكاتب هل كان بالامكان تفادي تغير المناخ كونياً؟ لتأتي التوصيات في خاتمة الكتاب من إحدى وعشرين توصية بعدد المقالات الواردة في الكتاب التي جعلت منها دراسة مهمة ليست على طريقة البحث الاكاديمي بل عبر البحث والتقصي والجهد الميداني الصحفي، زود الكتاب بعدد من الصور التوثيقية للفوتوغرافي تحسين الزركاني بينها صورة غلاف الكتاب.