حب في العشرين

ثقافة 2021/07/25
...

  علي حسين عبيد 
 
كان شباب المحلة يطلقون عليها اسم (شقراء الحي) فتاة لم تطرق باب العشرين بعد، كأنها غصن رمان، هيفاء، سامقة، عيناها شهلاوان، وجهها مضيء كصحن النحاس حين تقرعه أشعة الشمس، ضحكتها بئر عسل يتدفق على الجميع، مشيتها غزال يتدلل على الكون كله، العيون والقلوب والارواح (للصغار والشبان والكبار) تهفو إليها، جميلة إلى حد لا يُطاق، الى حد يستحيل وصفه.
هناك مشكلة بدأت صغيرة بحجم حبة الأرز، لكنها ما لبثت تكبر وتنمو وتتكاثر على نحو سريع وعجيب، هذه المشكلة أنني أحببت (شقراء الحي) وسقطتُ في شباك عشقها، الكل كان يحبها ويعشقها بطريقته التي تحتاط بالصمت دائما، أما أنا فلم أكتفِ بذلك، لقد كان حبي لها من النوع الذي لا يقبل الصمت ولا الترويض ولا التريث، إنه كالنار الهائلة التي لا تتمكن من اطفائها أساطيل من سيارات الاطفاء والطائرات السمتية وكل وسائل مكافحة الحرائق، إنه حب الشباب بكل جنون العشق عبر الأزمان .
إلتقينا غروبا وجها لوجه في الزقاق (الدربونة) التي تجمع بين بيتها وبيتنا، أطلقتُ عليها تحيتي، أجابت ولكن بهمس ملائكي، لم يطرق سمعي من قبل، ومضت متهادية الى باب الدار، أدرتُ رأسي نحوها، دخلتْ بيتهم دون أن أرى التفاتة منها، غابتْ في ظلمة البيت الصغير، واشتعل قلبي مجددا بحرائق الحب الشبابي الملتهب.. بعد تلك التحية صار شباب الحي يروني معها على نحو خاطف، هنا وهناك، في اللقاء الأخير ابتعدنا عن أزقة المحلة، غبنا في حي آخر مجاور، تجرأتُ وألقيتُ بيدي على ظهر كفها، كنت اظن أنها سترتبك، ستخاف حركتي هذه، لكنها فاجأتني بصعقة ألهبت الحب في قلبي حتى هذه اللحظة، لقد أمسكت بكفي بأصابع كفيها ومشت بأصابعي رويدا نحو منطقة القلب، وتركت راحة يدي على ثديها الأيسر، آه يا إلهي، أي حريق اشتعل لحظتها في كياني كله، بقيت اصابعي ترتعش فوق حلمة نهدها، وصارت كفاها تضغطان على اصابعي، الكلام توقف تماما، لا هي ولا أنا، فمان مغلقان، وعيون أربع تشرب من بئر الحب بامتنان ورضى هائل، الكون كله صمت في تلك اللحظات الهاربة من سطوة الزمن.
هكذا بقي الحب مشتعلا طيلة عام ونصف، ليأتي اليوم الذي يضيع فيه كل شيء، ولا تقولوا كيف ولماذا، هكذا الامور تسير مع العشق الخرافي دائما، لقد صارت (شقراء الحي) من حصة رجل دميم يكبرها أكثر من ثلاثين عاماً، وانطفأ الحب في الكون كله.