الأسئلة

ثقافة 2021/07/25
...

  رياض الغريب
 
قد أكون أنا آخر من تبقى في ذلك المكان الموحش الذي يطل على مساحة شاسعة من اللا جدوى أو الفوضى في الطبيعة وفي ترتيبها للأشياء، والتي من ضمنها أنا وهذا المكان الذي أجده مخيفاً وموحشاً لدرجة أني تمسكت بكل ما أملك من ذكريات قديمة مستلا لها من تلافيف عقلي المرتجف أمام هذا المشهد
- هل أنا جبان.
ربما لهذا السؤال اجابات مختلفة في تلك اللحظة التي اعيدها الآن بعد أكثر من عشرين عاماً انتبهت وأنا أحاول صياغة ما حدث بتراتبية ممنهجة أو بنسق خالٍ من التوتر مع الحدث، قلت لنفسي أنا مسترخٍ الآن ويمكن طرح السؤال من جديد على نفسي لأني وبصراحة وضماناً لمصداقية ما أكتبه عليَّ أن أقول وقتها، نعم، كنت جبانا لدرجة أني جلست أبكي مثل طفل ضاع في زحمة سوق، بكيت بمرارة وانتظرت المخلص وتشبثت بخرقة كانت أمي قد دستها في جيبي خلسة، قالت لي خذها وسترى، يا لها من مفارقة أنا يساري واعترف بأني نسيت كل يساريتي وقتها وتشبثت بتلك الخرقة ماسحاً بها دموعي وأقدامي طالبا منها إخراجي من تلك المتاهة التي وقعت بها من دون اختيار مني، في الحرب تختلط المفاهيم ويفقد العقل براءته بينما تسيطر عليك فكرة واحدة كذلك في السلام تجد الحياة باردة وغير منصفة لأنك تعودت على خوض المعارك منذ زمن بعيد.
- هل تسمع خطوات الجند وهم يمرون قرب بيتك فعلا.
ضحك مني وأنا أصغي لسؤاله الذي بصقه على الطاولة مغادراً الغرفة مع بقايا أصابع على خدي الأيسر حاولت أن أصف له المكان بدقة على الخارطة التي فرشها على الطاولة أمامي، إنها خارطة البصرة أو السليمانية أو أي مكان آخر يصبح مناسباً لسياق استمر لسنوات للأسف غادر ملوحاً بيده بغضب تاركاً صوته يختفي
- في المرة المقبلة ستجيب ها سمعت ستجيب. 
عن أي الاشياء يمكن للمرء في مثل حالتي أن يجيب كان المكان مظلما حيث اختفى ملهمي القمر وبت لا أعرف الاتجاهات التي عليّ أن أسلك تمسكت بالخرقة حتى نمت من الخوف وحينها سمعت صوتها حنونا وجاذباً لي تبعته حتى وجدتني أمامه يسألني ويصفع بي يبدو أنه يتلذذ بصفعي لهذا تركته يمارس هوايته المفضلة بكل خضوع. 
- هل كنت جباناً.
نعم كنت جبانا وتافها وغير منطقي في الاجابات لأن السلطة لم تكن بيدي لا سلطة الكلام أو الزمان والمكان لهذا شعرت بالاسى على حالي وعدت إلى جيبي الايسر أبحث عن الخرقة من جديد لتفتح لي الباب وأخرج أمارس هوايتي المفضلة السير في حديقة المنزل وممارسة رياضة المشي والتنفس العميق، نعم، انها رغبات بسيطة لا يمكن أن يسلبها مني بهوايته العفنة والتي كما يقال انتهت وهو الآن يمارسها في الخفاء مع آخرين يشبهونني تماما واسمهم على اسمي تماما، لهذا هو لم ينتهِ بينما أنا أحاول الآن أن أسترد الحكايات واعيش بشكل مثالي برفض الإجابة عن الاسئلة التي يمكن ان أصادفها في الطريق.
أسئلة يقال إنها وجدت على جدران مخبأ سري في معبد سومري مع بقايا لبقع سوداء أدخلها عالم يهتم بالأسئلة كثيرا في مختبراته وكانت الصدمة لقد وجدها دماء وحين قارنها بالبقعة السوداء التي وجدت بالمصادفة في أحد المواضع جنوب البصرة كانت مطابقة تماما لها
- هل يعقل أن أكون مكرراً في كل زمان وموجودا في كل مكان.
- المرة السابقة انكرت وفي كل مرة تنكر.
لم يكن النكران من صفاتي كنت حارساً لذلك المعبد ربما
ربما كنت
ألهو قرب سياج قديم لمقبرة في بابل
أسجل أرقام العربات الملكية
وأمحو أرقام العامة
من سجل حضور
مراسيم 
تبختر أنانا في قلوب الرجال
ربما كنت
على ضوء طيبتي معهم
أغفل عن عاشقين
بباب الرب
يتقابلان سراً 
متعمدا ذلك
لأن الأمر خارج إرادتي
ربما كنت
فراشة في حقول سومر
أنثر ألوان الفرح 
فوق رؤوس الجنود
العائدين من معاركهم التي لا تنتهي
أمازح حالمة فوق سطح معبد قديم
أقول ربما
الان حديقتي
تفضي بسر سومري
بعيدا
عن الوشاة
لمعبد هيكله كان هنا
تحت اقدامي
لأرفعها قليلا تلك اقدامي
وانحني
وضع الحجر في فمه
كانت الدقائق تشير
أيضا هو يريد أن يرى غرفته 
وقد غمرها البياض
وضع الحجر في دفتره
ما دونه محض حياة
صور باهتة لمطربين قدامى
ارتجاف الخجل الأول من القمر
وضع الحجر في وصاياه
ما قاله أكاذيب صدقها الأولاد
لم يكن هو
الذي اِعترف بالأخطاء
شخص آخر لعب الدور
هو كرسي لمشاهد
مشاهد واحد اسمه على اسمه تماماً
وضعوا الحجر على بابه
ليعترف
على سنواته التي تمرغت بوحل الحروب
صمد وتبرأ من ظله
من دفتره
من وصاياه
قالوا له اذهب
لكنه فضل البقاء
حجر
من أجل بياض غرفته
حلمه الذي اضاء له الطريق أخيراً.
عن أي حلم تتحدث إنهم لا يصدقون أنك تريد أن تنهي هذه اللعبة وتعود لبيتك تمارس هوايتك لتجلس تحدق بشجرة تيبست، لم يكن المكان مكانك ولا تلك الاسئلة التي تصفعك هي الاسئلة التي تم العثور عليها في ذلك المعبد تعني لك شيئا، إنهم يمارسون الخدع القديمة معك يقولون اذهب لم نعد بحاجة اليك وبالحقيقة هم بأمس الحاجة اليك لان الدماء التي ستلطخ الجدران هي دماؤك ويجب أن يتركوا مدونة للتاريخ وللقادم من الأجيال وستكون أنت هناك أيضاً تبحث عن خرقتك ووجه أمك والحديقة ورياضة المشي والتنفس العميق.