أحكام الحضانة.. لمصلحة المحضون أولاً

آراء 2021/07/25
...

 سلام مكي
ما إن تسربت مسودة قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية الخاصة بتعديل المادة 57 التي تنظم الحضانة واحكامها، حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات بين مؤيدة ورافضة، وأقيمت المؤتمرات وانطلقت التظاهرات، واستطاعت فضائيات كسب بضاعة يومين أو ثلاثة، أغلب الآراء انطلقت ربما من دوافع عاطفية أو مصلحية، أو نفعية، أو على الأقل، كانت تعبيرا عن رأي شخصي، لا يستند إلى رؤية منطقية أو عقلانية،
 تبغي الوصول إلى رأي سليم، يحقق الغاية من وجود الحضانة بوصفها تحقق بالدرجة الأساس مصلحة المحضون لا الحاضن. البعض من المؤيدين لتعديل أحكام الحضانة، ينطلقون من دوافع انتقامية من الطرف الآخر، يتسلحون بنصوص فقهية ودينية. الرافضون للتعديل، لديهم أجندات بالية، لا تليق بأصحاب رأي وقضية. فقضية حقوق المرأة والذكورية والعنف ضد المرأة، وجعل شخص يتصدى للظهور الاعلامي لم يعرف معنى الأمومة ولا الأبوة يوما، هو أمر لا علاقة له بمصلحة المحضون أصلا، بل هو لا يختلف عن دوافع الطرف الآخر المتمثلة بالانتقام من ذلك الطرف، وجعل الطفل المحضون سلاحا يحارب به الآخر، للأسف، لم نسمع رأيا وسطا، تكون فيه مصلحة المحضون هي المنطلق والدافع لتبني الرأي الخاص بالتعديل.
 نعود إلى مسودة التعديل والتي خلت للأسف، من مفردة {مصلحة المحضون} عكس النص السابق. ومصلحة المحضون هي التي يجب أن تكون منطلقا لأحكام الحضانة كما قلنا سابقا، لا مصلحة الحاضن. وعند النظر لمصلحة المحضون، فإن هذا يعني أن الحضانة قد تذهب إلى الأب أو الى الأم، متى ما كانت مصلحة المحضون مع أحدهما. النص السابق، حدد عمر 10 سنوات، هو موعد انتهاء الحضانة، ولكن المحكمة بعد انتهاء تلك المدة، ستقوم بكل الأحوال، بتمديد الحضانة 5 سنوات أخرى، إلى حين بلوغ المحضون 15 سنة، وبعدها يتم تخييره أما العيش مع والدته التي ربّته 15 سنة وبين والده الذي كان يراه 4 ساعات في الشهر!، وفي مكان عام!، في حين أن التعديل الجديد، ينص على أنه في حال بلغ المحضون سن السابقة، فإن الحضانة تسقط عن الأم في كل الأحوال. كذلك في النص السابق، فإن زواج الأم لا يسقط الحضانة، أما في التعديل الجديد، فإنه يشترط في الحاضنة البلوغ والأمانة والعقل وأن تكون غير متزوجة مطلقا! قبل الحكم على النصين القديم والجديد، لا بد من توفر دراسات قانونية واجتماعية ونفسية، تبين وعلى وجه الدقة، هل التعديل يصب في مصلحة المحضون أم لا؟ وهل زواج الأم يؤثر على الحضانة أم لا؟ وهل يختلف بالنسبة للولد والبنت؟ أم لكليهما غير مؤثر أو مؤثر؟ وهل بقاء المحضونة والتي تبلغ من العمر 14 سنة في دار الحاضنة/ الأم المتزوجة لا يؤثر عليها؟، كذلك سن الحضانة، فبموجب النص القديم، فإنها تنتهي لغاية 10 سنوات، وبعدها قد لا تمدد المحكمة الحضانة لغاية 15 سنة، وهو أمر لا اعترض عليه من قبل المعترضين على التعديل الجديد. ولكن: هل الـ3  سنوات الفارق بين النص القديم ونص التعديل الجديد، تسبب ضررا بالغا للطفل المحضون؟، هل ثمة آثار اجتماعية ونفسية على الطفل الذي يؤخذ من حضن أمه إلى حضن أبيه وهو بعمر الـ7 سنوات؟، هذه أمور قبل إبداء رأي قاطع فيها، يفترض أن يترك للمختصين قول الفصل، أو قول للاستئناس على الأقل. أما القول جزافا ومن منطلق عاطفي فلا يؤثر إلا على الطفل المحضون. الجانب الآخر والأكثر جدلا في موضوع التعديل، هو أن من يقرأ ما بين سطوره، يرى استهدافا واضحا للحاضنة، فمن غير الممكن أن تسلب حضانة الأم في سن السابعة مهما كانت الظروف وبقطع النظر عن أي ظرف، إذ إن جعل الجد، أحق بالحضانة من الأم في حال كان الأب متوفيا أو مفقودا، أمر لا يستقيم مع المنطق، وهذا لا يحتاج إلى دراسة أو تحليل من أحد، لأن الأم، مهما كانت ظروفها، أحق من الجد في تربية أبنائها، عدا فقدانها شروط الحاضنة وهي العقل والبلوغ والأمانة. إن الحديث عن مصلحة المحضون أمر لا بد من منه، لمناقشة أي تعديل يخص أحكام الحضانة، أما التعكز على مقولات فكرية ونصوص فقهية قد لا تحقق مصلحة المحضون أمر يجب أن يكون بعيدا عن التعديل.