إدامة الكتابة

ثقافة 2021/07/25
...

  حبيب السامر
 
لم تعد الاشتغالات على إدامة تمارين الكتابة في الفنون الإبداعية تعتمد على فئة معينة أو عمر ما، بل إن ممارستها تزيد من مهارة الكاتب وهو ينصهر في ثنايا النص، وتكشف عمق أهداف اللعبة ومحوريتها في مختلف فنونها، وتناغم تقنياتها التي قد تفاجئ الكاتب بأفكار تداعب تيار الكلمات لما في الذهن من أفكار حرة.
 تعتمد هذه التمارين التي تظهر بين فترة وأخرى، من خلال صهر الأنموذج المتخيل، أو الذي ينعكس بأشكال متفاوتة عن الذات التي تتبنى رسم حركة وصفها، لتتخذ من الصنعة المنتجة للنص لغة تقترب من ذائقة المتلقي، لتكون بذلك مقنعة الى حد ما، سمةَ التواصل والتفاعل معا، فقد شهدنا في الآونة الأخيرة طرح مبادرة من شخصية منتجة ومؤثرة، لها حضورها الإبداعي، والتي لاقى رواجها واستجابة سريعة، إذ غالبا ما تبدأ من نص يكتبه صاحب الفكرة، وبعد ذلك يتم البناء على شاكلته أو يبدع المشارك في تنضيج هذه الفكرة بطريقته الخاصة، بالاعتماد على وعيه وموهبته وعناصر الاثارة والكشف المتجدد وذائقته في إنتاج المعنى، وتتبع الحالات المتعددة شعوريا وحركتها في محيط الكشف المتكرر عن بواطن هذا العالم بشكل تدريجي من خلال أمثولة مترسخة أو حكاية متخثرة، وربما من صنع مخيال الكاتب ذاته..
 فقد طرح القاص المجدد محمد خضير فكرة (تمرين سردي) عبر صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تجاوب وتفاعل معه الكثير من القصاصين في بناء تجارب مختلفة وأفكار متعددة معتمدين على لب الفكرة التي طرحها في نص سردي مبهر، توالت القصص الجديدة، نشرت عبر عتبات عديدة، إذ لاقت قبولا كبيراً لدى المعنيين في هذا الحقل، وأخذ النقد دوره في تبني هذه الفكرة من خلال الكشف والدراسة لنصوص عديدة.
تقول المؤلفة الأميركية أناييس نن ((لا تأتيني الأفكار عادةً وأنا جالسة أكتب، بل وأنا في قلب الحياة))، لذلك فإن هذه التمارين تنطلق من عمق العملية المتأصلة التي تسحبنا الى منطقة التصديق بما هو غير معقول، وهذا يعتمد بالدرجة الاساس على براعة الكاتب والدخول في منطقة المعالجة الفنية للوصول الى حد الاقناع.
يتبنى الكاتب عرض أفكار جديدة في طروحاته المتواصلة بالاعتماد على النتائج المفاجئة والصادمة والتي تثير فضول المتلقي الى معرفة أدواته وابتكار صيغ بعيدة عن النماذج الجاهزة والمكرورة التي يكتشفها القارئ، وهو في الصفحات الأولى من تلك الأعمال.. إذ يكون الكتاب (امتدادًا لذاكرة الإنسان ومخيلته) كما يصفه خورخي بورخيس.
هناك من يشحن ذاكرته بالأسطرة وتحفيز الشخوص التي تتحرك مع نسغ النص الابداعي وصولاً إلى تماهي بعض الكتّاب مع شخوصهم وتلبسهم وانعكاسها على مدارك الذات، ونجده يفلت من هذا الغور والتشابك من خلال الابتكار معتمدين على الفنتازيا المربكة مما يدعونا الى التمييز بين حقيقة الشخصية وانعكاسها على الذات المتشابهة مع الكاتب، وهذا بالنتيجة يعتمد على الذوق بعيدا عن نماذج الكتابة الرديئة، متخذا من الابتكار وإخضاع بنية النص الى 
المعرفة الحياتية والتعمق في النواحي الأنثروبولوجية والإفادة منها في عملية المزج بين الواقع وحركة التحولات الفنية للشخصية.
في قول مهم لأندريه جيد (اليرقة التي تريد أن تعرف نفسها لن تصير فراشة أبداً)، وهذا يدفعنا الى التمييز بين الكاتب في حقيقتين خارج العملية الكتابية وداخلها.. أي قبل وخلال الكتابة، من خلال ما ينتجه في فعل الحياة لا من تهويلات خارج هذا الانتاج.
وهنا لا بد من التأكيد على سؤالنا، هل تتكرر هذه التمارين التي تابعناها بحرص وتفاعل كبيرين، في تجارب إبداعية جديدة، ربما تصل الى الشعر أو المسرح وربما الى الرواية وقد تعبرها الى فنون إبداعية 
أخرى؟.