دعوة للحوار بين المتظاهرين والحكومة

آراء 2021/07/27
...

 باسم محمد حبيب
 
بعد تراجع حدة التظاهرات قبل عام من الآن وتشكيل العديد من المتظاهرين والناشطين لتيارات سياسية لغرض المشاركة في الانتخابات، شاع بين الأوساط الشعبية لاسيما تلك التي كانت تعول كثيرا على التظاهرات سؤال مهم وهو: هل يمكن للانتخابات أن تحقق ما عجزت التظاهرات عن تحقيقه من مطالب؟ إذ إن معظم المطالب التي أراد المتظاهرون فرضها من خلال التظاهرات لم يجر للأسف تحقيقها إلى الآن، ومن أهمها: مطلب الإعمار وتطوير الخدمات، بشمول جميع المحافظات به، وعدم التمييز بين محافظة وأخرى في عدد وضخامة المشاريع المخصصة لكل منها، هذا فضلا عن المطالب الأخرى ومنها: حل مشكلة الكهرباء المزمنة، وإصلاح النظام السياسي، ومكافحة الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة، وضمان فرص العمل للشباب، وتوفير السكن اللائق للمواطنين.
فهناك أسباب تدعو الناس لعدم الثقة بالوعود الحكومية، لأنهم ملوا من هذه الوعود التي غالبا ما يجري إطلاقها كدعاية انتخابية أو كوسيلة للأفلات من الضغط الشعبي، بينما يجر الالتفاف عليها والتملص منها فور انتهاء الانتخابات أو تراجع حدة الضغط الشعبي، أما الانتخابات فليس هناك ضمانة بفوز القوى التي يعتقد المتظاهرون أو الناشطون أنها سوف تكون أمينة على مطالبهم، هذا إذا فرضنا إمكانية نجاحها في الحصول على مقاعد تتيح لها فرض مطالبها، فهناك احتمال أن هذه القوى قد لا تحصل على مقاعد كافية لأسباب عدة، مع عدم تجاهل إحتمال أنه حتى في حال فوزها بمقاعد كبيرة فإنها قد تكون عاجزة عن فرض مطالبها بحكم الواقع السياسي التشاركي أو المحاصصي، وإلا لماذا لا تقوم الحكومة الحالية بتنفيذ تلك المطالب بنفسها إن كانت راغبة في ذلك أو قادرة عليه. 
ومن أجل تطمين الناس المشككين برغبة القوى السياسية بالإصلاح أو بقدرة الانتخابات على تعديل المعادلة الإعمارية والخدمية الحالية، فضلا عن العملية السياسية بكامل إشكالاتها والوضع العراقي الداخلي والخارجي، فإنني اقترح إجراء حوار أو مفاوضات بين الحكومة ومعها القوى السياسية النافذة من جهة والناشطين والمتظاهرين غير المنخرطين في التيارات السياسية المشاركة في الإنتخابات من جهة أخرى، وذلك من أجل تقريب وجهات النظر والوصول إلى رؤى مشتركة تفتح الباب لحلول يمكن ان تنهي جزءا كبيرا من معاناة البلاد وتضع نهاية للكثير من مشكلاتها، فضلا عن أن بقاء الوضع على حاله سوف يؤدي إلى مزيد من التصعيد والاحتقان.
لكن مع ذلك لا يمكن لأي حوار جدي أن ينجح من دون شروط عدة أهمها:
• خلق مناخ إيجابي يسمح بإجراء مثل هذا الحوار، وذلك بطرح هدنة يوقف المتظاهرين فيها تظاهراتهم مؤقتا مقابل موافقة الحكومة والكيانات السياسية على رفض استهداف المتظاهرين، والقيام بما ينبغي القيام به لإيقاف هذا الاستهداف، وإجراء تحقيق عادل وشفاف لكل عمليات الاغتيال التي تعرض لها المتظاهرون والناشطون في جميع محافظات البلاد .
• يجب أن يشتمل الوفد الحكومي على ممثلين من الكيانات السياسية المشتركة في الحكومة حتى يكون الحوار شاملا ويتناول جميع جوانب المشهد العراقي.
• يجب أن يكون الحوار تحت إشراف المنظمة الدولية وممثليتها في العراق وبمراقبة جهات أخرى كالاتحاد الأوروبي وغيرهم. 
• يجب أن يركز الحوار على المطالب الأساسية للمتظاهرين، وعلى رأسها موضوع الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد بإجراءات واضحة وملموسة، والتحقيق في ملف المشاريع المتلكئة، فضلا عن ملفي الخدمات والإعمار اللذان يمثلان أحد أهم أسباب التظاهرات والغضب الشعبي ضد الحكومة والعملية السياسية. 
• يعد الحوار ناجحا إذا ما التزم الجميع بشروطه، وأدى إلى نتائج تصب في صالح استقرار البلاد وضمان أمنها واستقلالها وإبعادها عن التدخلات الخارجية، وضمن حقوق جميع أبناء الشعب في الإعمار والخدمات وتوفير فرص العمل، مع مساواة جميع المحافظات في مشاريع الإعمار والخدمات وعدم تفضيل محافظة على أخرى وما إلى ذلك.
ومع ذلك لا يمكننا القول إن هذا الحوار والمفاوضات يكفيان لإنهاء جميع المشكلات التي يعاني منها البلد، لكن يمكن لهما ان يجدا حلولا لمشكلات كثيرة بدت عصية على الحل، وشكلت هاجسا كبيرا لأبناء البلد وسببا أساسيا من أسباب معاناتهم الكبيرة، على أمل الوصول إلى حلول نهائية لجميع المشكلات التي تعاني منها البلاد، وهي حلولا تتطلب تضحيات كبيرة وجهدا أكبر من جميع العراقيين.