ما الذي تعنيه المغادرة الاميركيَّة للشرق الأوسط؟

آراء 2021/07/27
...

  د. قيس العزاوي
 ما فتأت الولايات المتحدة ترقص العالم على طبول قراراتها الستراتيجية: من مشروع ويلسون وحق الشعوب بتقرير مصيرها، الى مشروع ماريشال وبناء ما هدمته الحرب العالمية، الى استخدام الأسلحة النووية في اليابان، الى الحرب الباردة وزرع قواعدها العسكرية في 177 دولة في انحاء العالم، وحربها لفيتنام، الى دعمها للاحتلال الصهيوني لفلسطين، الى الاحتواء المزدوج لإيران والعراق وهي نظرية مارتن انديك الذي يطل برأسه من جديد مع الرئيس بايدن لاستكمال دوره في الشرق الأوسط، الى احتلال أفغانستان و العراق الى الانسحاب من الشرق الأوسط!
 
 تعزف الادارة الاميركية موسيقاها الستراتيجية ويتراقص العالم على وقعها طربا وربما غضباً.. ما الذي سيتغير لو انسحبت الولايات المتحدة ومعها جوقة الحلف الأطلسي من الشرق الأوسط؟ سؤال يحتمل إجابات عدة، ولكن بداية ينبغي ان نقر ان الرئيس بايدن أعاد بلاده الى واجهة قيادة العالم بعد ان عزلها الرئيس السابق ترامب.. وهو يرمي بكل ثقل بلاده كي يبقي على زعامتها للعالم وذلك عن طريق:
 أولاً: إعادة ترتيب الأولويات الاميركية واعتبار ترميم جبهة الغرب التي تصدعت على رأسها، وقد نجح فيها بزيارته الأوروبية وباجتماعات الحلف الأطلسي.
 ثانيا: إتباع دبلوماسية هادئة وعدم الانجرار الى نزاعات تشتت الجهود الغربية حتى وان كان ذلك الدفاع عن امن إسرائيل المقدس اميركياً، وهذا ما شهدناه في الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين مؤخراً.
 ثالثاً: توكيل حلفاء بلاده الإقليميين مهمات إصلاح ما يفسد من علاقات وما ينشب من نزاعات.
 رابعاً: الأخذ بالاعتبار تطورات الموقف الداخلي الغربي واتساع جبهة مناصري الشعب الفلسطيني، بظهور جناح تقدمي في الحزب الديمقراطي الاميركي ورفعه شعار "حياة الفلسطينيين مهمة" تقوده النائبة من اصل فلسطيني رشيدة طليب ومعها 22 نائبا اخر. وتفاعل الشباب والنشطاء والنجوم في العالم الغربي على "شبكات التواصل الاجتماعي نصرةً لحقوق الفلسطينيين.
 خامساً: الكف عن الإهدار المالي الثقيل على الميزانية الدفاعية الاميركية بعد ارتفاع الدين العام لقرابة 27 تريليون دولار، ما جعل مطلب الانسحاب العسكري الأميركي يلقى اهتماما خاصاً لأنه يوفر للبلاد أموالا طائلة .
 سادساً: التفرغ لمواجهة عدوين: الأول الامتداد الروسي في اوروبا وتقوية الوجود الاطلسي لمواجهة الاطماع الروسية، والثاني تلبية الاجماع الأميركي على التصدي للهيمنة الصينية والمساهمة الفعالة في ما يجري في منطقة بحر الصين الجنوبي.
 سابعاً: مع جدية ستراتيجية الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط فإن هناك قلقا اميركيا مصدره الحاجة الأوروبية لمصادر طاقة الشرق الأوسط، صحيح ان اميركا لم تعد بحاجة للشرق الأوسط فهو مصدر حروب لا تنتهي ولكن أوروبا الحليفة بامس الحاجة له، وليس من المنطقي ان تتركها اميركا لرحمة الروس الذين يمكن ان يتحكموا بمصادر الطاقة وطرق مرورها .
 وبالعودة للسؤال المركزي: ماذا لو استكملت الإدارة الاميركية قرار سحبها لمنظومات الدفاع الجوي من نوع باتريوت من الدول العربية(الكويت الأردن السعودية والعراق) وسحبت بقية قواتها في أفغانستان.. ماذا لو نقلت ثقلها العسكري من الدول الأوروبية والشرق الأوسط إلى آسيا الباسفيك، حيث تتركز الاستثمارات الاميركية. هل ستتمكن الصين وروسيا ملء الفراغ؟.
 يرى المراقبون ان الصين تبدو مستعدة لذلك فهي تمتلك القدرة العسكرية والوفرة النقدية والإمكانات التقنية ولها شبكات مصالح كبيرة وتجيد التعامل مع الدول، وتفتخر بأن ليس لها ماض استعماري ولها مشاريع تنموية واسعة مثل الحزام والطريق..
 بإختصار تحولات كبيرة ستعرفها المنطقة العربية، فجبهة الغرب لها ستراتيجية مواجهة آسيوية أوروبية أهم من الشرق الأوسط.. وستراقب الولايات المتحدة من بعيد القوى المركزية التي سيكون لها القرار النهائي وهي تركيا وإسرائيل وايران ومصر التي اثبتت في الحرب الإسرائيلية على فلسطين جدارتها وقدرتها.