قراصنة فنزويلا.. كارثة الكاريبي الجديدة

بانوراما 2019/02/22
...

كولن فريمان
ترجمة: بهاء سلمان
مع تداعي اقتصاد فنزويلا، تنتشر موجة هائلة من الفوضى وصولا الى جزيرة ترينداد المجاورة، حيث يعيش صيادو الأسماك هناك هلعا من القراصنة الفنزويليين، بينما يعمل المهربون الفنزويليون على مقايضة المخدرات والسلاح بالحاجات الأساسية.
واذا كانت فكرة الواحد منا عن الفردوس الاستوائية مبنية على ما يشاهده ضمن كراسات السياحة، فليس ساحل جنوب غرب ترينداد ببعيد عن ذلك، حيث الشواطئ الذهبية وبساتين جوز الهند، والقرى الغافية الحالمة المليئة بصيادي الأسماك تحت أشجار النخيل، لكن بدون استرخاء حقيقي! فعندما نلقي نظرة عن كثب على قرى مثل فولارتون، سنلاحظ بعض الأشياء التي تبدو غير متوافقة. احدى هذه الأشياء هي أن الكثير جدا من صيادي الأسماك وضعوا محركات سعة 200 حصان لزوارقهم، بينما المحرك ذو الـ75 حصانا يكفي وزيادة لتسيير الزورق؛ وعندما يخرجون ليلا للصيد، لا يفتحون أضواء الكشافات، فما هو السبب لهذه التصرفات؟
يجيب الصياد «جيري باداراث» من ارجوحته الشبكية قائلا: القراصنة «نحن جميعا مرعوبون منهم، فهناك نحو خمسين صيادا من القرية دخلوا في مشاكل خطيرة معهم، اما تعرّضوا للسلب أو الاختطاف؛ ولم تبقَ لدينا فرصة متاحة للصيد سوى وسط الظلام، لأنهم لا يروننا، أو تنصيب محركات أكبر كي نفر منهم.»
مهلا... قراصنة؟ ضمن البحر الكاريبي؟ هذا كان قبل 300 سنة، عندما كان رجال أمثال ذو اللحية السوداء وكاليكو جاك يبحرون داخل هذه المياه. أما باداراث، فيعرف شيئا آخر، فهو يشير الى البحر، حيث يمكن رؤية امتداد لساحل موحل آخر، وهي أرض فنزويلا القريبة مسافة عشرين كيلومتر فقط من ترينداد. أثناء زمن الأيام الخوالي الهانئة، كانت العبّارات تجلب مجاميع من السواح الفنزويليين للتمتع بأجواء ترينداد؛ أما اليوم، ومع انزلاق فنزويلا بحال انهيار اقتصادي هائل، صارت موانئها الساحلية الفقيرة حاضنة عصرية للصوص البحر.
ضريبة البطالة
غالبية القراصنة هم من الصيادين السابقين، الذين اعتادوا على تحقيق كسب مادي جيّد باصطيادهم لسمك التونة والاخطبوط والروبيان من مياه الكاريبي الدافئة، لكن ابان عهد الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز، خضع قطّاع السمك لبرنامج تأميم كارثي حفز الشركات على الانتقال الى الخارج. ومع ضربة أخرى قاصمة من التضخم، بقي العديد من الصيادين بلا عمل ووسيلة لاطعام عوائلهم، لكنهم بنفس الوقت يملكون الزوارق والسلاح، المطلوب بشكل متزايد على امتداد شوارع البلاد الغائبة عنها سلطة القانون.
هذا الحال المؤلم يذكر بأزمة القرصنة التي شهدتها الصومال قبل عقد مضى، حينما رفع صيادون عاطلون السلاح بوجه ضحاياهم من السفن المارة. لكن بينما استهدف القراصنة الصوماليون سفن الشحنات الثرية، توجه الفنزويليون نحو نظرائهم من صيادي الأسماك الترينداديين، الذين ليسوا أحسن حالا ماديا منهم.
كان من بين الضحايا «كاندي ادواردز»، الذي التقيته عند قرية اكاكوس، حيث تصطف قوارب خشبية طويلة على الساحل، فقد كان مع رفيقين له عندما هاجمهم قارب يحمل رجالا مسلحين: «قفزوا الى زورقنا وقيّدونا، ومن ثم أخذونا الى فنزويلا ووضعونا في قفص داخل الأحراش، وطلبوا مبلغ 35 ألف دولار كفدية لقاء اطلاق سراحنا. جمع اهالي القرية تبرعات مالية وتم تحريرنا بعد سبعة أيام، لكنني أصبت بالهلع لدرجة عدم عودتي الى البحر الا بعد مرور سنة كاملة.»
 
تزايد التهريب
بامكان المرء سماع قصص مشابهة لهذه على طول الساحل الجنوبي الغربي لترينداد، لكن ليست فقط حالات الاختطاف والسلب هي التي تجعل الناس تشعر بالقلق، فالقراصنة يزاولون أعمال التهريب بشكل واسع، جالبين الكوكايين والسلاح الى ترينداد، الأمر الذي يغذي حرب العصابات الشرسة المتزايدة في الجزيرة. وبطريق العودة، يأخذون معهم حفاظات الأطفال والرز وزيت الطعام ومواد أساسية أخرى، تعاني فنزويلا من شحتها جميعا بشكل مفرط.
ومن الصحيح القول ان مشكلة العصابات متواصلة على مدى عقدين تقريبا، ومالم تتوه وسط أحياء العاصمة بورت اوف سبين، فمن غير المرجح ملاحظتك لها. لكن كلما تطوّقت البلاد بموجة من فوضى مندفعة من فنزويلا، كلما تصير الأمور أسوأ. عدا ذلك، ليس جميع صيادي الأسماك الترينداديين هم من الضحايا الأبرياء بشكل كامل، فمن خلال تجوالي مع مرشدي المحلي، قوبلنا بنظرات عصبية عندما سألنا حول اختطاف أحد القراصنة، والذي حصل قبل عدة أيام، حيث همست احدى السيدات قرب أذني قائلة: «لا يمكنني الحديث معك حول هذا الأمر الآن، فالكثيرون جدا يراقبوننا.» بعد ذلك اتصلت بي هاتفيا وشرحت لي الموقف: «دارت حالة الاختطاف حول أموال مخدرات يدين بها أحدهم الى العصابات، وهذه المشكلة تزداد سوءا هنا، فمع اللحظة التي غادرت بها، دخل قارب محمل بالمخدرات.»
لا يسعني القول أنه فاتني ذلك المنظر المثير، فالكثير من أهالي القرية اشتبهو بكوني من أفراد الشرطة كما يبدو، لكن الحالة اوضحت الاحساس بتوتر عصبي، وجعلتني اتساءل حول جميع هذه المحركات الجديدة بسعة 200 حصان، فهل حقا ان الغرض منها جميعا هو للفرار من القراصنة فقط؟ أو ربما لها استخدامات ووظائف أخرى؟