ترجمة: أنيس الصفار
في خطابه عن حالة الاتحاد الذي القاه الاسبوع الماضي تطوع الرئيس دونالد ترامب بالدفاع عن آخر قرارين له مثيرين للجدل في السياسة الخارجية، الأول هو محاولة سحب القوات الاميركية من سوريا والثاني يتعلق بمحادثات السلام بين الادارة الاميركية وحركة طالبان الافغانية، التي يمكن ان تسفر ايضاً عن انسحاب اميركي من افغانستان.
قال ترامب: «الامم العظيمة لا تخوض حروباً أبدية.» ولكنه هنا أغفل العراق، وهو بلد لا تزال الولايات المتحدة تخوض فيه حرباً تبدو أبدية.
فبعد مرور ما يقارب 16 عاماً على غزو الولايات المتحدة العراق لا يزال نحو 5200 جندياً أميركياً مرابطين هناك. وحين زار الرئيس ترامب هؤلاء الجنود عشية عيد الميلاد أواخر كانون الاول الماضي بدا الامر وكأنه تعزيز للمهمة الاميركية في العراق، وكانت هذه اول رحلة له الى احدى مناطق الصراع بصفته القائد العام للقوات (وكان ذلك بعد وقت قصير من اعلانه المفاجئ عن عزمه على سحب القوات من سوريا).
أكد ترامب أنه لا يخطط لانسحاب قريب من العراق إذ قال: «الواقع أننا نستطيع استخدام هذه القوات كقاعدة إذا ما اردنا القيام بشيء في سوريا.» ولكن إذا كان الرئيس وفريقه للأمن القومي يريدون الابقاء على القوات الاميركية فأن أقوالهم وافعالهم أخذت تضعف، كما يبدو، استعداد العراق لاستضافة تلك القوات.
تذبذب القرار
هذه النقطة اعيد تسليط الاضواء عليها مؤخراً عندما اوحى ترامب بأن الوجود الاميركي في العراق يمكن ان يستخدم لمراقبة إيران. فقد قال ترامب خلال مقابلة مع شبكة «سي بي أس» مؤخرا : «ربما نقرر ابقاءها، فأحد دواعينا لذلك هو أني أريد النظر الى إيران لأنها مشكلة حقيقية.»
بدوره، رد الرئيس برهم صالح برفض هذه الفكرة على الفور، كما اوردت التقارير، حيث قال: «نحن لن نسمح بهذا، فالعراق لا يريد ان يكون طرفاً أو محوراً ضمن أي صراع بين بلدان اخرى.» واضاف ان القوات الاميركية مسموح لها بالبقاء في العراق لمكافحة الارهاب، لا أكثر. وبعد يوم من ذلك التصريح اعطى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي رده هو أيضاً، فقد أورد موقع «روداو» الكردي العراقي على لسان عبد المهدي قوله: «حين يزعم أن مهمة هذه القوات هي مقاتلة دولة جارة؛ مثل ايران، فإننا نرفض الفكرة، بل إن الدستور نفسه يمنعنا.».
من جهته أخبر آية الله علي السيستاني مبعوثة الامم المتحدة في العراق بأن البلد لن يستخدم كأرضية لإيذاء البلدان المجاورة. كان هذا من اندر التصريحات السياسية المباشرة في الرد على تعليقات ترامب بشأن ايران، وما يتضمنه يغني عن مجلدات.
كان للولايات المتحدة حضور عسكري مكثف داخل العراق خلال سنوات ما بعد 2003، إذ بلغ ذروته اكثر من 170 ألفاً خلال العام 2007، ثم قامت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بسحب تلك القوات بعد فشل الولايات المتحدة والعراق في التوصل الى اتفاقية لضبط الانتشار الاميركي. وقبل نهاية شهر كانون الاول 2011 غادرت آخر وحدة أميركية البلاد.
لكن عندما اتسعت رقعة «داعش» على أراضي سوريا والعراق وما تبع ذلك من استيلاء التنظيم على مساحات كبيرة من أراضي شمال العراق أواسط العام 2014 توجهت بغداد الى واشنطن؛ طلباً للمساعدة. وعلى اثر ذلك عادت القوات الاميركية، ولكن عودتها كانت محددة بغاية واحدة حصراً هي مكافحة الارهاب، وتلك حقيقة لا ينكرها المسؤولون الاميركيون. يقول الجنرال «جوزيف فوتيل» رئيس القيادة المركزية للقوات الاميركية: «مهمتنا العسكرية على الارض تبقى منصبة كلياً على السبب الذي استدعى وجودنا هناك بطلب من العراق.»
لم توقع الدولتان اتفاقية جديدة بينهما لوضع القوات تحدد فيها صيغ التواجد الاميركي. معنى هذا ان القوات الاميركية لن تتواجد في العراق إلا بطلب من بغداد.
منطق عراقي مستقل
قد تبدو القواعد الاميركية في العراق بالنسبة لترامب مكاناً منطقياً لمراقبة إيران او حتى التصدي لها، لأن السياسة الاميركية تجاه إيران تركز على احتواء بلد ترى فيه مصدراً محتملاً للخطر واثارة الصراعات، بحسبما يقول ترامب نفسه. ولكن حسابات الحكومة العراقية الجديدة اكثر تعقيداً من هذا، إذ أنها تسعى بشكل عام الى ابعاد البلاد من الانجرار الى الخصومة القائمة بين واشنطن والجارة القوية طهران. ومن الملاحظ أن رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي يرغب في التوصل الى موقف وسطي يرضي الجميع، وهو يحظى بالدعم من قبل الساسة الشيعة الذين يتزعمهم رجل الدين ذو الشعبية الكبيرة مقتدى الصدر، وهو طرف يحمل على الولايات المتحدة وبعيد نسبيا عن البلد الجار. والحقيقة أن ترامب لم يحسن خدمة أهدافه حين صور العراق على أنه الموضع الذي يستخدمه الاميركيون للمراقبة والتنصت. فقد كتبت «كاتي بو وليامز» على موقع «دفينس وان»، مبينة كيف أن كلمات ترامب أثرت على سياسة البرلمان العراقي. فقالت: «جاءت تعليقات ترامب في وقت كانت الكتل السياسية المعادية لأميركا فيه تسعى لدفع البرلمان الى التصويت لصالح تشريع يحجم النشاط العسكري الاميركي في العراق او حتى اخراج القوات الاميركية كلياً.»
ترامب أخطأ مرتين
وفوق ذلك، فعل ترامب أسوأ من هذا؛ حينما اكتفى بزيارة قاعدة عسكرية أميركية غرب العراق، ولم يجتمع برئيس الوزراء عبد المهدي اثناء زيارته للعراق أواخر شهر كانون الاول الماضي، خارقاً بذلك ما دأب عليه الرؤساء السابقون. يقول مسؤول رفيع المستوى ضمن التحالف ضد «داعش»: «أن زيارة قاعدة عسكرية في العراق من دون الالتقاء بأي مسؤول حكومي هي أفضل طريقة لتصعيد احتمال ألا يكون لدينا مستقبلاً اي تواجد عسكري على أرض العراق ولفترة طويلة.»
يقول «مايكل نايتس»، وهو زميل اقدم من معهد واشنطن، ان الولايات المتحدة اخطأت مرتين في هذا الشأن، فإن أخطأت ثالثة خسرت اللعبة. والسؤال هنا هو: إذا رفض العراق وجود قوات أميركية على أراضيه فكيف سيكون رد ترامب؟
من المريح والسهل القول أنه لن يبالي، لأن ترامب كان منذ وقت طويل ينتقد ما يصفه بالحروب الابدية والاكثار من نشر الجيش الاميركي. وقد سجل له تصريح منذ شهر آب 2011 قال فيه خلال مقابلة مع قناة «سي أن بي سي»: «أعتقد اننا كان علينا الرحيل منذ وقت طويل.» وكان ذلك قبل اكمال ادارة أوباما انسحابها من العراق بأشهر. بيد أن الاحتمال الأرجح هو أن ادارة الرئيس ترامب سوف تكتشف، كما اكتشفت في سوريا»، أن أهداف سياستها الخارجية العديدة تجاه الشرق الأوسط والمتمثلة بتحجيم التواجد الاميركي في الخارج ومقاتلة «داعش» واحتواء إيران، لا تسير بتواز مع بعضها في اغلب الاحيان.