الجهل معركة بين الإرادة والاستسلام

آراء 2021/07/27
...

  مهند الهلالي
  
يعكف الناس على تصديق او الايمان بحقائق بدت وكأنها من بديهيات العقل البشري، حتى اعتبرها البعض انها من مسلمات السماء وانها نوع من انواع الرزق الالهي، يهبها الله بدرجات للانسان وبقسمة يراها جل وعلا ولا نراها نحن.
هذه الحقائق تتعلق بمستوى ذكاء الانسان او ادراكه الحسي او استقباله لبعض المعلومات سواء كانت العلمية منها او المجتمعية ذات الصلة بالاكاديمية التعليمية او المهنية الى اخره من الجوانب، التي يتدخل فيها العقل لتحديد مستوى التعامل معها من قبل الشخص المعني بتلك المعلومات.
وحتى نكون واضحين اكثر في حديثنا ولان الخوض في مجمل هذه الموضوعات ربما يحتاج الى بحوث طويلة لإيصال فكرة ما، ارتأينا ان نحصر الحديث عن جزئية الجهل في المعرفة بكل تفاصيلها سواء كانت اكاديمية او مجتمعية، ولان الجهل مرتبط بما اسلفنا قوله ضمن مقدمتنا كان ضروريا ان نشير الى تلك المعطيات.
الجهل يقسم بطبيعته الى قسمين جهل محدد بشيء ما او جهل عام، اما الاول فهو طبيعي وتمتاز به معظم الشرائح الانسانية ويقال عنه يجهل فلان بهذا او فلان جاهل بذلك الشيء. وهذا النوع لا يمثل مشكلة كبيرة للانسان فمن الصعب ان يكون اي منا ملما بكل جوانب الحياة وتفاصيلها فلكل شخص اختصاصه ومجالاته وهو يبتعد بطبيعة الحال عن الامور، التي لا تتعلق بعمله او حياته الخاصة وهو ميال احيانا الى عدم السعي الى ما لا يعنيه لكنه قد يكون متميزا جدا ومبدعا في مجالاته التخصصية او ابداعاته الحياتية بما يحب ويهوى.
اما القسم الثاني للجهل وهو ما يعرف بالجهل العام فهو الخطر الحقيقي، الذي يهدد مصير الشخص الذي يصاب به ويقوده في معظم الاحيان الى الهلاك، ونحن لا نقصد هلاكه في الدنيا او مغادرته اياها، انما معيشة ضنكة تمر ايامها واسابيعها واشهرها وسنواتها عبر ظلام دامس يكون فيه الانسان ضيفا ثقيلا في رحلة شاقة، يبتعد عن ابطالها ليعيش تفاصيلها على هامش فصولها المختلفة.
هذا النوع من الامراض الاجتماعية يربط البعض بينه وبين الحالة التي تعرف مجتمعيا بقدرية او حتمية الشيء، وهذا ما اسلفنا الحديث عنه في مقدمتنا، الا ان واقع الشيء يشير الى عكس ذلك تماما اي ان القدر الالهي لا يمكن له ان يعطي ايحاءات او اوامر بتجهيل انسان ما، ولأي سبب والدليل ان الباري جل وعلا تباهى بالخلق عندما قال " بسم الله الرحمن الرحيم " (ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم).
ووصايا الله تباركت قدرته عبر قرآنه الكريم وسنة نبيه الأكرم محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام، تشير بمجملها الى ضرورة ان يكون الانسان عاقلا في اتخاذ قراراته وان يطور من مستوى إدراكه الذهني ليكون مؤهلا لعبادة الله حق عبادته وتمييز الحق من الباطل في دنياه.
اذا فالجهل مكتسب وليس مفروضا كما يصور البعض ذلك لنفسه او محيطه الاجتماعي، وان اكتسابه يخضع الى جملة من العوامل كأن تكون اسرية او اقتصادية او عقائدية الى آخره من الاسباب الاقل تأثيرا على الفرد.
هناك اسئلة تطرح نفسها وبقوة في هذا الموضوع، كيف يمكن ان نحصن انفسنا من خطورة الجهل العام؟ وكيف يمكن ان نواجهه؟ وهل نحن نقترب منه ام بعيدون عنه؟ الاجوبة ستكون ابسط مما يتوقع البعض وهي ربما تتوحد في تفسير واحد وغير متشعب وهو، ان الانسان قادر وتحت كل المقاييس والظروف على تجاوز تلك العوامل الانية، التي تحول دون حصوله على نعمة المعرفة بكل تشعباتها وانواعها وانه يستطيع اذا ما توفرت له الارادة الحقة ان يكون ملما بكل ما يصبو اليه عقله الظاهر والباطن، كون ذاته العليا مهيأة خلقيا لاستقبال رغباته المشروعة، التي اراده الله تعالى ان يكون عليها ومنعت الظروف الحياتية وصوله اليها في ظرف زماني او مكاني معين.
ان محاربة الجهل لا يمكن لها ان تكون الا من خلال السعي الجاد لانهائه، عبر تطوير الذات والايمان المطلق بأن شخصية الانسان لا يمكن لها ان تكون الا بالكمال، الذي حدده الله لها وان الظروف التي تحول دون الوصول لذلك الهدف ما هي الا ظروف استثنائية يمكن لها ان تختفي او تزول بمجرد زوال الاسباب التي ادت اليها.